aleqt: 18-08-2022 (10538)

الرأي الدرس المستفاد من هذا أن التعامل مع الآخرين في جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية، يبنى على معلومات دقيقة تكشف طريقة تفكير الآخر، وأولوياته، وبمعنى آخر الوقوف على جذور وآليات تشكيل العقول في المدارس، والإعلام، وداخل الأسر، وهذا لا يتحقق إلا بالبحث والدراسات المتعمقة التي تنجزها مراكز ذات دعم لجهودها. سر التقدم المكشوف بعض المؤرخين ينصب اهتمامهم على دراسة الأسباب والظروف التي توجد التفاوت بين الأمم في التقدم الحضري في أساليب الحياة، وأدواتـهـا، وأساليب التفكير، من حيث عمق التفكير وبساطته، أو من حيث الحيل وعدم المباشرة، وعكس ذلك نرى أمما خلاف ذلك، حيث الوضوح والصدق، وتجنب المخادعة، وأساليب اللصوصية، وإن كان في ظاهر مزيف مغلف بادعاء التحضر. علوم الاجتماع، وعلم النفس، والأنثروبولوجي، ودراسة الأديان، ومقارنتها، يسعى متخصصوها إلى كشف أسرار الثقافات والحضارات التي تسير البشر دون وعي حقيقي، لأن المكونات الثقافية أصبحت جزءا من حياتهم يمارسونها بشكل آلي رتيب. يحمد للغرب اعتماده السعي إلى الحصول على المعرفة بشأن الشعوب الأخرى، لاكتشاف الأسس التي تقوم عليها حضارات الأمم، وإن شاب بعض الممارسات اللاموضوعية في إصدار الأحكام، إما لسوء فهم، وإما بقصد. كانت جهود المبشرين، والمستشرقين، والرحالة، أبرز ما سجله التاريخ في القرون الماضية، حيث غزوا الشرق برحلاتهم، بحجة الافتتان به، وبصحاريه، مع العلم أن هذه الرحلات مدعومة من الكنيسة. في الوقت الراهن مع تقدم المعرفة، وتنوعها، وسعتها، تغيرت آليات الحصول عليها، فالجامعات تلعب دورا بارزا في هذه المهمة من خلال مراكز الأبحاث المهتمة بجميع مجالات المعرفة الطبيعية، والإنسانية، والمجتمعية، فالمتخصصون يوجهون بحوثهم وبحوث طلابهم الذين يشرفون عليهم لدراسة وضع المجتمعات الأخـرى، لتشكل هذه المنتجات البحثية كنزا ثمينا ترجع إليه الجهات الحكومية، خاصة ذات العلاقة بصناعة القرار واتخاذه. لم يقتصر الأمر على الجامعات ومراكز أبحاثها، بل تولت الحكومات والقطاع الخاص مراكز أبحاث ذات طبيعة استراتيجية جل اهتمامها منصب على المستقبل في المناخ، والبيئة، والصناعة، والزراعة، والسلاح، والعلاقات الدولية، والطاقة، وما قد ينشأ من حروب ونزاعات، سواء كان مردها التنافس على المـوارد، أو الاستقطاب، والاحتواء للشعوب، وحكومات الدول الأخرى. باستخدام محرك جوجل وقفت على مجموعة من معاهد البحث الهندية، مثل معهد بحوث الرز، كمنتج مهم واستراتيجي، ليس للهند فقط، لكن للعالم، ومعهد أبحاث الطرق، ومعهد أبحاث الطاقة، ومعهد أبحاث التعدين، أما في أمريكا فمن معاهد البحوث الاستراتيجية معهد بحوث الإدارة الاستراتيجية، ومعهد ستانفورد للدراسات التربوية الاستراتيجية، ومركز جامعة جورج تاون للدراسات الاستراتيجية، وفي الصين معهد الأبحاث الاستراتيجية الدولية، وفي بريطانيا المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. في دراسة أجريتها على جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، وجدت أن في الجامعة مركز بحث، منها مركز أبحاث الأديـان، ومركز 33 أبحاث الماوريز، وهم السكان الأصليون، ومركز أبحاث التعدين، ومركز أبحاث الباسفيك. عندما كنت على مقاعد الدراسة خارج البلاد، "أكسر التعب والملل" الذي أشعر به من المذاكرة المتخصصة بالبحث عن بحوث عامة، خاصة ما له علاقة بوطننا، وفي ذات يوم استوقفني عنوان أطروحة دكتوراه أنجزت في جامعة مرموقة في أمريكا، ومحاورها تربوية وثقافية واجتماعية، فطلبتها من خلال مكتبة الجامعة، وبعد ثلاثة أسابيع وصلت، لكن لم يسمح لي بإخراجها من المكتبة، فكل يوم يسلمها لي أمناء المكتبة وأعيدها إليهم، وهكذا حتى أنهيت قراءتها، وما لفت نظري أن من سبقني باستعارتها، كما يظهر على بطاقة الاستعارة المرفقة، جهة رسمية لها دور في صناعة القرار، والتهيئة له. الدرس المستفاد من هذا أن التعامل مع الآخرين في جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية، يبنى على معلومات دقيقة تكشف طريقة تفكير الآخر، وأولوياته، وبمعنى آخر الوقوف على جذور وآليات تشكيل العقول في المـدارس، والإعـ م، وداخل الأسر، وهـذا لا يتحقق إلا بالبحث والـدراسـات المتعمقة التي تنجزها مراكز ذات دعم لجهودها. سياسات يجب اتباعها لمكافحة » 3 من 1 التضخم « الاقتصاد السلوكي بين العقل والمشاعر بناء على تعاريف دولية، ذكرنا في مقال سابق أن الاقتصاد يشمل "أدوات"، ويتضمن "نشاطات"، ويسعى إلى تحقيق "غايات". الأدوات عموما، هي المـال، والقدرات البشرية، والأجهزة التقنية، والمؤسسات، وإرادة العمل. أما النشاطات فتتضمن إنتاج السلع وتقديم الخدمات، إضافة إلى نشاطات السوق والبيع والشراء. ثم تأتي الغايات التي تشمل تنفيذ النشاطات بأداء مرتفع، وبأقل التكاليف، والعمل على الربح وتوليد الثروة وتحقيق التنمية الاقتصادية، إضافة إلى تشغيل اليد العاملة. وليست الغايات دائما ربحية، فقد تكون موجهة إلى جوانب أخرى من التنمية، كالتنمية المعرفية، والثقافية، والاجتماعية، والصحية. وتنطبق أدوات الاقتصاد، ونشاطاته، وغاياته المنشودة على مختلف شؤون الحياة وقطاعاتها المختلفة، سواء الخدمية منها أو الإنتاجية. وكثيرا ما يطلق على الاقتصاد صفات تعطي أبعادا متجددة في معناه، يجدر استيعابها وتفهمها، لأن الاقتصاد ليس فقط علم للمتخصصين، بل هو أيضا شـأن عـام يهم الجميع، على الأقـل في طروحاته البسيطة وآثاره العامة. فللناس جميعا إسهام واضح في نشاطات العمل والإنتاج، وفي نشاطات السوق كمشترين للسلع والخدمات للاستفادة منها، وكبائعين لها لتأمين متطلبات الحياة منها. وطرحنا في مقال سابق موضوع وصف الاقتصاد بالرقمي، وكيف أن هذا الوصف يعبر عن اقتصاد أجدى كفاءة وأكثر فاعلية، وأعلى رشاقة في الاستجابة للمتطلبات، لأنه يعتمد على نماذج عمل متجددة، تستفيد من البنية الرقمية، ومن استخدام مزايا العالم السيبراني. ومن الصفات المهمة، التي باتت تقترن بالاقتصاد، Behavioral يــ ز تعبير "الاقـتـصـاد السلوكي "، وهو موضوع مهم للجميع، يسعى Economics هذا المقال إلى مناقشة أساسياته. ويقول تعريف لهذا الاقتصاد، منشور على موقع جامعة شيكاغو، حيث أحد أهم علماء Richard Thaler يعمل رتشارد ثالر هذا الاقتصاد، "إن علم الاقتصاد السلوكي يدمج عناصر من علم الاقتصاد مع عناصر أخرى من علم النفس من أجل فهم سلوك الناس على أرض الواقع، بما يشمل أسباب هذا السلوك". وشهد هذا العلم، في العقود الأخيرة إنجازات مهمة استحقت خمس جوائز ". وسنستعرض فيما يلي، باختصار، Nobel "نوبل موضوعات الإسهامات التي حققت هذه الجوائز. على جائزة Herbert Simon حصل هربرت سايمون عن عمله في موضوع "العقلانية 1978 نوبل في المحصورة وتأثيرها في اتخاذ القرار". ثم حصل جاري في موضوع 1992 على الجائزة في Gary Becker بكر 2002 "الدوافع الشخصية وأخطاء المستهلك". وفي جاءت جائزة نوبل في الاقتصاد السلوكي مشتركة بين وآموس تفيرسكي Daniel Kahneman دانيال كاهنمان في موضوع "نظرية المحتمل بين الربح Amos Tversky والخسارة وترسيخ التحيز باتجاه الربح". وكانت الجائزة، في Robert Shiller ، من نصيب روبرت شيلر 2013 في موضوع "تحليل أسعار الأصول وشؤون سوق الأسهم". على الجائزة Richard Thaler ثم حصل رتشارد ثالر الأخـ ة حتى الآن في مجال الاقتصاد السلوكي، في ، وكانت في موضوع "اللاعقلانية المتوقعة التي 2017 تعصى النظرية الاقتصادية وأثرها في قرارات الأفراد والمجموعات". وعلى الرغم مما يبدو من تعقيدات علمية في علم "الاقتصاد السلوكي"، إلا أنه بسيط في جوهره، فهو يهتم أساسا بسلوك الإنسان في السوق تجاه ما يعرض أمامه من منتجات وخدمات، ويرتبط هذا السلوك بعقله ومشاعره، تجاه ما يعرض أمامه من ناحية، وكذلك باحتياجاته من ناحية ثانية. وبالطبع، فإن أداء أي منتج أو خدمة في السوق معيار رئيس للنجاح، ويتطلب سلوكا إيجابيا من القطاع المستهدف بهذا المنتج أو الخدمة. ويحتاج ذلك إلى منتجات وخدمات جذابة، وتسويق مناسب يحفز السلوك الإيجابي المنشود. وفي مسألة تحفيز السلوك الإيجابي للإنسان تجاه ما في السوق من منتجات وخدمات، يشهد العالم الذي نعيش فيه ظاهرتين مهمتين. تتعلق الظاهرة الأولى "بالابتكار" وتقديم منتجات وخدمات غير مسبوقة، كما ترتبط هذه الظاهرة أيضا "بالتحديث التدريجي"، في شكل ومضمون كل من المنتجات والخدمات. فالابتكار المنشود يقدم منتجات جديدة تحمل خصائص غير مسبوقة، يمكن أن تحفز السلوك الإيجابي لكثيرين تجاهها. ويشجع التحديث التدريجي على التوجه نحو اقتناء المحدث، وبالتالي استدامة الطلب، واستدامة الإنتاج. ومن أمثلة ذلك، ما نشهده في سـوق منتجات أجهزة الـجـوال، والحواسيب، والأنظمة الإلكترونية المختلفة. حيث يتجه سلوك كثيرين نحو هجر أجهزتهم السابقة، واقتناء المحدث من نماذجها، على الرغم من استمرار صلاحية أجهزتهم السابقة. وننتقل إلى الظاهرة الثانية بشأن تحفيز السلوك الإيجابي للإنسان في السوق. تستند هذه الظاهرة إلى مراقبة سلوك الإنسان في السوق، واستقراء توجهاته، وذلك عبر الأدوات الرقمية للعالم السيبراني. في هذا الإطـار، تقوم جهات المراقبة بوضع نموذج لمتطلبات كل إنسان تجاه ما هو معروض من منتجات وخدمات، إضافة إلى توجهاته السلوكية، وربما توقعات سلوكه المستقبلي أيضا. وعلى ذلك، كثيرا ما يجد كل فرد، عبر وسائل العالم السيبراني، عروضا لمنتجات وخدمات تتوافق مع سلوكه الإيجابي السابق تجاهها، حيث تدعوه، وربما تحفزه بإغراءات خاصة، إلى تكرار هذا السلوك، وربما إلى تجديده من أجل المنتجات والخدمات المحدثة. وتدمج هذه الظاهرة بين الاقتصاد السلوكي من جهة، والاقتصاد الرقمي من جهة أخرى، إضافة إلى أساليب الذكاء الاصطناعي أيضا. لا شك أن سلوك الإنسان عموما، سواء في قضايا السوق أو في غيرها، ليس عقلانيا دائمـا. فالعقل ليس موجها وحيدا لسلوك الإنسان، فهناك المشاعر التي تشارك في توجيه هـذا السلوك. وإذا كان العقل لا يستسلم للإغراء لأنه يبحث فيما وراءه، فإن المشاعر قابلة للإغراء من قبل حملات تسويق المنتجات والخدمات، ولعلها قابلة أيضا للنفور من هذه الحملات، عندما تستهجن عروضها. ومن العقل والمشاعر معا تأتي قرارات الإنسان ويتشكل سلوكه. والأمل أن يكون العقل دائما سيد الموقف في القضايا المادية، وأن تكون المشاعر في موقف مماثل في القضايا الإنسانية. لكن الحقيقة في مسألة سلوك الإنسان، سواء في المجال الاقتصادي أو غيره، تبقى متأرجحة بين العقل والمشاعر. لا شك أن سلوك الإنسان عموما، سواء في قضايا السوق أو في غيرها، ليس عقلانيا دائما. فالعقل ليس موجها وحيدا لسلوك الإنسان، فهناك المشاعر التي تشارك في توجيه هذا السلوك. وإذا كان العقل لا يستسلم للإغراء لأنه يبحث فيما وراءه، فإن المشاعر قابلة للإغراء من قبل حملات تسويق المنتجات والخدمات، ولعلها قابلة أيضا للنفور من هذه الحملات، عندما تستهجن عروضها. NO.10538 ، العدد 2022 أغسطس 18 هـ، الموافق 1444 المحرم 20 الخميس 11 1987 أسسها سنة الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز جريدة العرب الاقتصادية الدولية www.aleqt.com 1992 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير عبدالرحمن بن عبدالله المنصور مساعدو رئيس التحرير عبدالله البصيلي سلطان العوبثاني حسين مطر مدير التحرير علي المقبلي المراسلات باسم رئيس التحرير edit@aleqt.com يتردد على أسماعنا في نشرات الأخبار كل يوم تعبير "تضخم"، فما الذي يعنيه ذلك حقا لـدول الـ ق الأوسـط وشـ ل إفريقيا. التضخم هو الـزيـادة العامة والمتواصلة لمستوى الأسعار في اقتصاد ما، والمقياس الذي يشيع استخدامه للتضخم هو مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس أسعار سلة تمثيلية من السلع والخدمات التي تشتريها الأسرة العادية. وتحتاج كل الدول أشد الحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسات صائبة من شأنها تيسير النمو الاقتصادي المستدام وتقليص التضخم الذي يؤثر في الفقراء أكثر من تأثيره في الأغنياء. وفيما يلي أربع سياسات تعالج ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض معدلات النمو، إلى جانب دعم الفئات الأقل دخلا. ففي تحسين "جـودة" الإنفاق العام، نجد كثيرا من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا سيما المستوردة للنفط منها، تثقل كاهلها ديون عامة ضخمة وتعاني ضيق الحيز المتاح للإنفاق في إطار ماليتها العامة، لكن لديها احتياجات للإنفاق، مثل توسيع نطاق الأنظمة الحديثة للحماية الاجتماعية والاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ، ويتعين عليها الارتقاء بجودة النفقات العامة الجارية وإعادة توجيهها. وفي الوقت الحالي، تهيمن أجور العاملين في القطاع العام، وأنظمة الدعم غير الموجهة لفئات بعينها، وأعباء خدمة الديون على الإنفاق العام، وتسهم جميعا في أوجه الجمود في الموازنة. ومع أنه قد لا يوجد خيار يذكر أمام الدول المعنية في الأمد القصير، فإنه يجب عليها تحسين جودة إنفاقها عن طريق جعل الإنفاق العام أكثر تركيزا على تحسين الأداء، وتخفيض أنظمة دعم الطاقة غير الموجهة لفئات بعينها، وإصلاح البنية التحتية والشركات المملوكة للدولة، وزيادة كفاءة إدارة الديون من أجل تقليص تكاليف خدمة الديون "على سبيل المثال - من خلال تقليل الاعتماد على التمويل قصير الأجل مرتفع التكلفة". ويساعد البنك الدولي مختلف الدول على هذه الجهود من خلال استعراضات الإنفاق الـعـام، وتحليلات أثـر الـ ائـب والإنفاق الحكومي في الـدخـل الحقيقي، وإســداء المشورة بشأن تمويل البنية التحتية وإدارة الديون، وهو ما يجري الآن في مصر والمغرب ولبنان وغيرها. وبشأن تعزيز شفافية الديون وتفادي الديون الخفية، فإنه بالنسبة إلى الدول التي تنشط في أسـواق التمويل السيادي، وهو حـال معظم دول الــ ق الأوســط وشمال إفريقيا، من المهم عدم مفاجأة الجهات الفاعلة في الأسـواق الدولية بحجم الديون وارتفاع مستوياتها وتوضيح بياناتها.... يتبع. نادر محمد / كيفن كاري / يوهانز هوجفين / جلاديس لوبيز * خبراء اقتصاديون في البنك الدولي shb@ksu.edu.sa أ. د. سعد علي الحاج بكري * أستاذ في كلية علوم الحاسب والمعلومات - جامعة الملك سعود د. عبد الرحمن الطريري * أكاديمي وتربوي @D_abdulrahman1

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=