aleqt: 25-11-2021 (10272)

12 NO. 10272 ، العدد 2021 نوفمبر 25 هـ، الموافق 1443 ربيع الآخر 20 الخميس بعيدا عن السيمائيات التي نحت اسمه في رحابها عربيا، دخل سعيد بنكراد، المبدع والناقد المغربي، عــوالم الـسـرة، بـإصـداره أواسـط العام الجاري سية فكرية، بعنوان "وتحملني حـرتي وظـنـوني: سية التكوين" عن المركز الثقافي للكتاب. وكعادته حرص سعيد على تسجيل لمسته الخاصة في هذه المغامرة، فهذا النص - بحسب المؤلف - ليس سية ذاتية بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هو سـرة ذهنية، تقدم من الـرؤى والأفكار أكثر مما تسرد الأحداث والوقائع. يجد قــارئ الكتاب نفسه أمـام حالة من بوح فكري ممزوج بتفاصيل وأحــداث، تضفي على النص طابعا فرجويا، لينجح سعيد بهذه الطريقة في تشخيص المعرفة، وتحويلها إلى فرجة. فقد عمد الرجل إلى استعادة صور من الماضي، ومعالجتها فكريا بصراحة وجــرأة، قلما نصادفها في الكتابات العربية. لقد استعان الكاتب بهذه التقنية لمكاشفة القراء عن مساره البحثي والمعرفيفي الأنفس والآفاق، وشخص الخبرة الإنسانية "الذاتية" في تفاصيل "فرجة حياتية"، قصد ضمان تعميمها على أوسع نطاق. نجح بنكراد في توظيف تقاطعات السية مع ما يبنى في الخيال، مؤكدا بذلك صدق مقولة الفرنسي بول ريكو: "إن الذات تتعرف على نفسها في القصة التي ترويها لنفسها عن نفسها"، فالحاكي في السية، وفي التجربة الواقعية على حد سواء، لا يأتي إلى الأشياء خالي الذهن أو بريئا من كل حكم مسبق. وهذا عين ما يحدث في "سية التكوين"، فالوقائع التاريخية لم تستطع الخلاص مما تنتجه الذاكرة عـ هامش مـا يتطور خــارج وعي الذات. اختار الكاتب بعناية المحطات "الطفولة والمــدرســة، الجامعة والنضال، السجن والهجرة، الاغتراب والـتـدريـس..."، التي كان لأحداثها بالغ التأثي في سيته الفكرية، وأتقن لعبة الـ د غاية الإتـقـان، بنجاحه في تصريف مسار طويل من العمر في قالب سية ذهنية، أثبت فيها أن الماضي لا يمضي إلا ليعود في شكل كتابة، باستحضار مسارات وسياقات متشابكة، لها منطق خاصفي الذهاب والإيـاب بين المـاضي والحاضر، في قالب جـدلي مثي يشد القارئ إلى النص. البداية بزمن الطفولة الأولى، في ريف مدينة بركان شرق المغرب، حيث التناغم والانسجام في الحياة اليومية البسيطة للفلاحين في القرى، ليحكي الكاتب صدفة التحاقه بالمدرسة، "لم يكن واردا في ذهن أمي والعائلة كلها أن أذهب إلى المدرسة، بعد أن توفي والدي. وحدث أنني كنت ألعب على جنبات الطريق الذي يمر بمحاذاة منزلنا، فمرت بي مجموعة من الأطفال بصحبة آبائهم، وسألت أحدهم عن وجهتهم، فأخبرني بأنهم ذاهبون إلى المدرسة، فانضممت إليهم، ووقفت وحــدي في الـطـابـور إلى أن وصل دوري، فسألني المكلف بالتسجيل عن والدي، فأخبرته بموته، وسألني عن اسمي واسـم والــدتي، ودون اسمي في السجل. وهكذا أصبحت تلميذا بالمصادفة وحدها". هذه المصادفة جعلت من سعيد قربانا رمزيا لحصة دراسية علمته معنى اليتم، فيحكي تفاصيل دقيقة عن حادثة "لماذا يبكي سعيد؟"، التي اختارها عنوان فصل في السية، "حدث مرة أخرى أن كان درس المحادثة هو اليتيم. لم أكن حينها أعـر اهتماما لهذه الكلمة.. قدم المعلم تعريفا كما هي العادة: اليتيم هو من مات أبوه أو أمه. وبدأ التلاميذ يرددون التعريف في حماسة شديدة.. وفجأة انتبه المعلم إلي، ويبدو أنني كنت اليتيم الوحيد في القسم. فتوجه إلى التلاميذ قائلا: سعيد يتيم، لأنه فقد أباه. وانطلق التلاميذ من جديد يـرددون اللازمة، واستمر الـــ اخ، فانفجرت باكيا. وما كان من المعلم إلا أن توجه إلى التلاميذ من جديد ليسألهم: لماذا يبكي سعيد؟ ثم يجيب عن سؤاله: سعيد يبكيلأنه يتيم. وانطلق التلاميذ من جديد يرددون فيما يشبه النشيد السؤال وجـوابـه، ولم يتوقفوا إلا مع نهاية الـدرس، وكانت عيناي قد احمرتا من شدة البكاء. ورأيت الزهو في عيني المعلم، فالدرس كان ناجحا من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ويومها فقط أدركت معنى اليتم". يترك بنكراد السارد مكانه للناقد الذي يبين أهمية اللغة في بناء التمثيل الرمزي لحقائق الوجود، فداخل اللغة تصنع الأفكار وتبنى المفاهيم، ولا شيء يفلت من قبضتها، فهي أساس الكينونة، وكل وجود خارجها يكون باهتا ودون أي معنى. شكلت الجامعة محطة أخرى في سية الرجل، حيث التناقض بين أسئلة الواقع والمجتمع وأجوبة الجامعة، أجـوبـة تلقاها سعيد مـن نشاطه الطلابي في صفوف اليسار السري مــارس" التي كانت في 23 "منظمة مواجهة مع النظام السياسي. "وكان النظام مستبدا، رغم كل المراجعات ومـحـاولات التجميل التي قـام بها البعض، وحـاول أن يـوازي فيها بين أخطائنا وأخطائه. فنحن كنا عزلا، ولم نخطئ في حق الوطن، بطشوا بنا وعذبنا وهجرنا من وطننا، ومات بعض منا. ووجهنا بقوة لا قبل لنا بها، كانت تريد اقتلاعنا من الأرض التي ولدنا فيها، وإسكات كل الأصوات المناهضة أو المعارضة لسياسته". لم يـــ دد الـكـاتـب في توجيه سهام النقد إلى هذا الماضي، كاشفا الأعطاب التي رافقت التجربة، والبؤس الفكري الذي أحاط بها، وكأنه يحاول ترميم "صورة الماضي" في السية، دون أن يتنكر للماضي والتجربة رغم أخطائها، التي كانت تنطلق من القناعة المبدئية بالقيم الإنسانية. عرج بنكراد فيصفحات على واقعة اعتقاله في فـاس، وتجربة السجن الانفرادي، وإعداد بحث التخرج في سلك الإجازة، عن الشاعر أحمد فؤاد نجم، داخـل غياهب السجن. دون كثي استفاضة، حتى لا تطغى السية السياسية على السية الفكرية التي واصلها في باريس، حيث الأجـواء الجامعية الساحرة في التأطي العلمي والتكوين النقدي، وكان لذلك بالغ الأثر في حياة بنكراد العلمية والفكرية وحتى الشخصية، ما دفعه إلى التمرد على الأوضاع داخل الجامعة المغربية، بعد التحاقه بها، وتلك محطة أخرى من محطات "سية التكوين". يـدرك الكاتب لا محالة صعوبة مغامرة السرد الذاتي التي يخوضها، ولا سيما أنه المثخن بجراح السيميائيات التي كانت حاضرة بقوة في ثنايا هذا النص، فيعترف قائلا: "ما كان يشدني إلى الوقائع التي أروي بعض تفاصيلها في هذا النص هو تلك السيورة التي تحول من خلالها ما عشته حقا إلى تجربة جديدة تبنيها الكلمات وحدها. فوجودنا في اللغة كان دائما أوسع وأرحب من وجودنا في حقيقة الواقع، إنها إخراج لغوي لحياة تمت في غفلة منا. لقد حاولت من خلال ذلك الإمساك بخيوط شتى هي ما مكنني، من بناء قصة تتميز بالوحدة والانسجام". يخرج القارئ من سية بنكراد، عكس المـألـوف والمـعـتـاد، بمتوالية من الأسئلة بدل الأجوبة، عن الغاية من السرد، أهو للمتعة والتسلية أم سبيل نحو بث الروح في ذاكرة مترعة بالآمال والخيبات، أليس السرد "حارس الزمن" بتعبي بول ريكور؟ عبر تشخيص المعرفة وتحويلها إلى فرجة سعيد بنكراد .. سيرة ذهنية حبلى بالحيرة والظنون من الرباط محمد طيفوري سعيد بنكراد محتفى به في مناسبة سابقة. في روايــة مليئة بالأسئلة المؤرقة والمرهقة، يأخذنا الــــروائي عـــادل الـــدوسري، في عـالم شـاب كـان فريسة الاكتئاب، يتناول الموت كقيمة للوجود الإنساني، والجوهر الحقيقي الذي تقوم بناء عليه كل غاياتنا، وتتصي إليه مآلاتنا الأخية. "مــوت طـــارئ"، لا يقدم كاتبها تفكيكا للحياة وإجابات للأسئلة، إنما تفتح آفاقا لمزيد من فرضيات الإجابة المحتملة، عبر شاب كان هشا أكثر مما يجب، هشيما تذروه الرياح، محطما، اسمه عزيز، تنهشه الغية تـارة والاكتئاب تارة أخـرى، في عمل سردي يخبئ كثيا من المعاني الدفينة بين سطوره. الروائي يسأل نفسه يـــقـــول الــــــروائي عـــادل الـدوسري، متندرا عن "موت طارئ"، "إنها صدرت في يناير ، وكانت كأنها فأل سيئ 2020 لما تبعها من جائحة عالمية ألقت بتوابعها على الإنسان في كـل مـكـان، بمـا في ذلك إلغاء وتأجيل معرض الرياض الدولي للكتاب". وفيمناقشة للرواية بحضور "الاقتصادية"، أقامتها مبادرة "أصدقاء الثقافة" في الرياض، وأدارهــــا سـامـي العريفي، يتساءل الكاتب عن ظروف كتابته روايته "ما الحياة، وما الموت؟ حين سألت نفسيهذا السؤال الذي أرهقني وأعياني، وجـدت نفسي أكتب روايتي "موت طارئ"، وأحاول أن أجد مفهوما دالا لهذا السؤال وما بعد السؤال من أبعاد ناتجة عن معانيه وتفريعاته اللا نهائية وتنويعاته السرمدية، وغوره في أعماقنا، التي حددت بـواعـث الكتابة، التي على الأرجح كانت مزيجا بين ما هو عام وما هو خاص، وبين ما هو وجودي وما هو وجداني، لأن المعني هنا هو الإنسان، الإنــســان بكل تعقيداته، بمعاركه، وأفكاره ومشاعره ومواقفه التي تعبر عن وجوده المـــادي في عــالم تتجاذب أطرافه أساسا صراعــات غي مادية. ما كان يعيه عادل الدوسري عن الموت، وكل ما كان يشغله من الأفكار حوله قبل موت والـدتـه شيء مختلف تماما عما صـار يعيه بعد موتها، والمفارقة - حسبما يرى - أن "هــذه الـروايـة كتبت الربع الأول منها حـ كانت أمي في المستشفى، تحديدا في غيبوبتها الأخــرة، لا أعرف، ربما كنت مدفوعا بعاطفتي وخـوفي من الفقد، لمحاولة تفسي هـذا المجهول الذي أخــافــه، ربمــا كنت أرى أن حالة الغيبوبة أشبه ما تكون بالموت الـطـارئ، المفاجئ، أو فلنقل الموت غي الكامل، فقد كانت في غيبوبتها تمر في حالات من الاستفاقة، فتدعونا بأسمائنا وصفاتنا وتتحدث عن أمـور من ماضيها، دون أن ينكشف لنا الرابط بين كل ما تحكيه، كان يبدو لي أنها ترى ما لا نراه، وتشعر بما لا نشعر به، وتتحدث مع من لا نسمعهم ولا نعي وجودهم، كـان أمـرا مربكا، وفي بعض الأحيان كان مريعا". ويـضـيـف "كــنــت في كل ليلة، بعد زيارتها، أعود إلى البيت وأبـ ، أبكي فحسب، وحينما أهدأ قليلا، أجد نفسي أكتب ما أعيه من أفكار عن المـوت، أواجـه أسئلتي التي لطالما أقلقتني حول الوجود والــعــدم، بــ د أردت به أن أعـــري كـل استفساراتي الغامضة، والنقاط المجهولة. ثم بعد أن ماتت مرت عدة أشهر قبل أن أكتب حرفا واحدا في الرواية، وحين عدت إلى الكتابة، كانت كل أفكاري في حالة من الاختلال وانعدام ال ـت ـوازن، لأن ما أعيه صار أكبر من كل تلك التصورات، والبناء الروائي المحتمل، كان في حاجة إلى ضبط الاعتلال والاختلال بين الأفكار، لكني لم أفعل أيا من هذا، لأن هذا ما أردت له أن يصل، أعني تلك الحالة المضطربة لشخصية عزيز، تلك الحالة من الارتباك الوجودي/ الوجداني، كانت الأسئلة تعذبه على نحو عميق، أما الإجابات، فلا إجابات". شخصية مضطربة ومرتبكة يعاني الاكتئاب والـفـراغ وتيه الشعور، هكذا هو عزيز، الذي يمضيمتسائلا عن الحياة والموت، ما تركفي نفسه آثارا تجلت في العزلة والانطوائية، وخيبات متلاحقة، وهزائم لا نهائية، في حزن متسع الهوة بلا مدى. الشخصية الرئيسة في الرواية "عزيز" شخصية مرتبكة وجوديا ووجدانيا، على حد تعبي عادل الـدوسري، وبناء شخصية كهذه يحتمل جانبا عمليا يستمد مـن الـواقـع، وجانبا نظريا يعي اضطرابها سيكولوجيا، ما يعني حساسية تعاملها السوسيولوجي وتفاعلها مع وجودها، ومن ثم تفاعلها مع الآخرين، بسبب ما يوجد في داخله كإنسان منذ زمن بعيد. هذه التركيبة الهشة لعزيز، يسندها عديد من الدوافع المتناقضة، إلى جانب وعيه المـوت منذ وقـت مبكر، من خلالصدمته بموتجدته، ثم وعيه الموت وهو شاب بالغ، من خلال وفاة قيثارة الشرق طلال مداح على الشاشات. إذن، هـــو رجــــل شقي باكتئابه، وشـقـاء المكتئب يتلخص في عدم معرفته سر حزنه وفقدان دهشته، أما عزيز فكان يعرف جيدا ما السبب، ومعرفة السبب هو أول طرق الـعـ ج النفسيفي حـالات الاكتئاب، لكن معرفته هنا كانت هي الشقاء بعينه، الذي يفسد كل أسباب التداوي، فقد عرف السر المقدس منذ سن مبكرة، ولم يعد لعقله تقبل العيش في التفاهات، وعرف أن الموت هو السر المقدس في هذه الحياة. هل تهرب من المـوت، أم تهرب إليه، هل تشعر بأنك ميت أم حي، ماذا تعرف عن الحياة؟ هـذه الأسئلة التي أثارتها الرواية، ولم يتمكن عـزيـز مـن معرفة الحقيقة أبدا، بل لم يستطع أن يثبت وجـوده المـادي حتى، فشعر بأنه يتهاوى في حفرة عميقة ومظلمة وغائرة في سرمدية أبدية، بينما كان جسده يتآكل، والـصـدأ ينتشر في حواسه بطريقة مفرطة. ك ـال ـع ـائ ـد مـــن المـــوت، والباحث عبثا عـن الـتـوازن النفسي، يتصرف عزيز، كان يعيش في حــزن لا ينتهي، وهي المرحلة الأولى في حياة المكتئب، ثم يتحول فيما بعد إلى حس ساخر متبلد، كمرحلة حزن أشد سوءا من سابقتها، وي ـعـي ـش فـيـهـا المكتئب بطريقة آلية مقيتة، بلا رغبات ولا أمنيات ولا انفعالات أو تفاعلات. صدمة الموت تأثر عادل الدوسري بموت والدته كان واضحا في الرواية، فعزيز - شخصية الـروايـة الرئيسة ـ حينما توفيت جدته وهو طفل لم يبلغ الثامنة من عمره، عاش تجربة مريرة، ولا سيما أنها كانت له كـأم، في ظل اضطرابات شخصية أمه الحقيقية واكتئابها، مـشـعـ الأسـئـلـة في عقله الذي لم يــخــرج بـعـد من دائرة طفولته. م ـات ـت الـجـدة في الــوريــقــات الأولى، فجاء على لسان عزيز "لم تكن امرأة عادية أبدا، كانت قوية الشخصية نافذة الكلمة، عميقة الإيمان، حكيمة الـعـقـل، لينة الجانب وطيبة المـــــعـــــ ، وكانت شاعرة أيـــضـــا، ويــا لـــ ســـفلم يـــتـــبـــق مـن قصائدها إلا شيء يسي مماحفظناهفي الصدور، كانت تخبرني بأن لكل قصيدة قصة، فهي لا تستند إلى خيالها ولا تعول عليه عندما تشرع في قصيدة جديدة، فكل أشعارها ارتجالية، ولـدت في مواقف معينة". فقد عزيز نفسه منذ اللحظة التي ماتت فيها جدته، خلع رداء الطفولة وكبر، جعله هذا الحدث يشيخ منذ سن مبكرة، يتخبط ويتيه في دوامــة من التوقعات الخاطئة، وكان لهذه الصدمة دور في إخراجه من طور الحياة الطبيعية والزج به في عالم الأموات. هذه الصدمة أعادت صياغة الحياة داخــل عـزيـز، وبناء على ذلك تشكلت تصرفاته، سلوكه، وكان لبعض الحوادث والمــواقــف التي عاشها في مراهقته أثـر ومنقلب سيئ عليه، حــاول أن يبحث عن الإجابات في الكتب، لكنها في كل مرة كانت تعمق أسئلته، وتزيد من أوجاعه، وتجعله يبحث عن النوم الأبدي. تأويلات جديدة تأويلات جديدة يخرج بها عادل مبارك الدوسري كلما قرأ الرواية، وكأنه ليس بكاتبها، يفند أسبابها، ويبحث فيما وراء الكلمات والـحـروف، يفتش عن دوافعه ودوافـع الشخصيات، ومع كل قراءة جـديـدة، ينفتح عقله على تأويل جديد، ربما لم يكن هو الدافع الرئيس والباعث على الكتابة وقتئذ. في حديثه أمـام القراء، يقول "لقد كانت تشغلني منذ زمن بعيد فكرة الصراع بين القوى، بمعنى أن الحياة قائمة على الأضــداد، أي أن كل وجود ينتج ضده ويقوم بذاته بما هو ند لآخر، وطالما أن الأمر كذلك، فإن استمرار الــــ اع سيشكل ضرورة حتمية لاستمرار الوجود، وهـذه الفكرة في حد ذاتها مقلقة، بائسة، مخيفة. من هنا فإن العالم الذي نعيش فيه صار شتاتا كئيبا بوصفه حلبة الصراع، ويتحتم علينا بعد الآن ألا نفكر في فهم الإنسان وقصة تطوره قبل أن نفهم تلك الأقطاب المتنازعة منذ الأزل". ويتابع "لم يعد كافيا البتة أن نعرف الخي والــ ، أو الوجود والعدم، أو اللذة والألم، أو الصدق والكذب، أو اليقين والشك، أو العقل والقلب، بل يجب أن نسأل أنفسنا دائمـا هذه الأسئلة: ما موقفنا من هذا الـ اع، هل نثق بأننا ملتزمون بالحياد تماما، أم أننا نميل إلى قوة دون أخرى، ولماذا نميل إليها، وهل نستمر على موقفنا نفسه لو برزت قوة أخرى؟ وأظن أننا لا بد، شئنا أم أبينا، سنظل بوعي أو بلا وعي أحد أطراف هذه الصراعات، حتى إن ظننا أننا نقف موقف المتفرج، فلا أظن أن هناك مكانا للمتفرجين في هذه الحياة". كيف يكون الموت طارئا؟ يجيب الـدوسري "إن الموت يحدث لنا - وإن بشكل رمزي - آلاف المرات، والحياة كذلك، فمن يستطيع أن يجزم بأن هذا الحي حي، والموت كله في داخله؟ ومن يستطيع أن يجزم بأن هذا الميت ميت فيما الحياة كلها كانت في موته، نحن أمــام إشكالية المـعـنـى، إنـهـا أزمـــة فهم لطبيعة الــ اع ومضمونه وأقطابه وموقفنا منه، إذن، سندرك جميعا أن الحقائق نسبية، وأن الوجود والعدم نسبيان". عمل سردي يخبئ كثيرا من المعاني الدفينة «موت طارئ» .. شاب هش أكثر مما يجب عادل الدوسري من الرياض جهاد أبو هاشم الدوسري: شقاء المكتئب يتلخص في عدم معرفته سر حزنه وفقدان دهشته أما عزيز - الشخصية الرئيسة في الرواية - فكان يعرف جيدا ما السبب الثقافية

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=