aleqt (11002) 2023/11/25
كـان خطاب النصر للرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير مايلي مليئا بعبارات التحدي، فأمام حشد ضخم مـن أنـصـاره في العاصمة بوينس آيـرس وقف الرجل قائلا "لقد وصل نموذج الانحطاط إلى نهايته، ولا عودة إلى الـوراء"، كانت تلك كلمات في المائة 56 الرئيس الذي فاز بـ من أصـوات الناخبين مقابل ما في المائة 44 يزيد قليلا على لمنافسه سيرجيو ماسا وزير الاقتصاد. في خطاب النصرلم ينثر الرئيس الجديد الأزهـــار على من صوتوا له بوصفه المنقذ القادم للاقتصاد الأرجنتيني، بل كان شديد الصراحة والوضوح والإزعاج إذا صح التعبير "أمامنا مشكلات هائلة، التضخم، نقص العمل، والفقر.. الوضع حرج ولا يوجد مكان لأنصاف الحلول الفاترة". لا يـخـتـلـف الــرئــيــس مع خصومه عند تشخيص الأمراض الاقـتـصـاديـة الـتـي تنهش في جسد الأرجنتين منذ عقود، لكن الاتفاق على طبيعة المـرض لا يعني الاتفاقعلىالدواء الشافي، وهنا تأتي مشكلة الأرجنتين، ومخاوف مناوئ خافيير مايلي من نهجه الاقتصادي وطبيعة العلاج الذي يصفه للبلاد، الذي سيزيد من وجهة نظرهم ألم الأرجنتين ويفاقم حالتها المرضية. الـــدواء الــذي يصفه ساكن الـ"كاسا روســـادا" وهـو اسم القصر الرئاسيفي الأرجنتين ويعني "البيت الــوردي" أبعد ما تكون عن النعومة والرقة التي يتسم بها اللون الوردي، إذ يتبنى الرئيس صاحب التوجهات اليمينية المتشددة نهجا للعلاج بـ"الصدمات الاقتصادية"، ففي عرفه "الصدمات الاقتصادية" تعني إغــ ق البنك المـركـزي، والتخلي عن العملة الوطنية البيزو، وتبني الـــدولار عملة وطنية على غرار بنما، وخفض الإنــفــاق، وتقليص التدخل الحكومي في الشأن الاقتصادي، والتخلص من القطاع العام، وإطـ ق يد القطاع الخاص في الاقتصاد الأرجنتيني، وفتح البلاد على مصاريعها لحركة رأس المـال. وكعادة جميع البرامج الاقتصادية اليمينية، فإن إلغاء الدعم والاعانات الاجتماعية يأتي في مقدمة برامجه الاقتصادية إضافة إلى تقليص عدد الوزارات إلى ثمــان فـقـط، ولا 18 مـن يخفي الرئيس وأنصاره علمهم أن الـدواء شديد المـرارة، لكنه رغـم ذلـك عـ مـراراتـه وجد أصـــداء قـويـة لــدى الناخبين للتصويت لمصلحة الرجل الذي وعدهم بالخروج من الضائقة الاقتصادية. مــن أيـــن سـيـبـدأ الـرئـيـس؟ مشكلات الأرجنتين الاقتصادية لها أول لكن ليس لها آخـر، فخزائن الحكومة والبنك المركزي خــاويــة، والتضخم يتجاوز في المائة، حيث بات من 140 الأرخص لك أن تقوم بتغطية جـدران منزلك بالفئات المالية الصغيرة من العملة الأرجنتينية بدلا من شراء أوراق حائط من نوعية فاخرة، علاوة على ديون البلاد المتراكمة وقرض صندوق مليار 44 النقد الـدولي بقيمة دولار وهـو القرض الأكـ في تاريخ الصندوق. هنا، يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور آر. لويس الاستشاري الـسـابـق في الـبـنـك الـــدولي والأستاذ حاليا للاقتصاد الدولي في جامعة مانشستر، "إنـه لو كان الأداء الاقتصادي للأرجنتين كــأداء فريقها القومي في كرة القدم لكان وضعها الاقتصادي مختلفا تماما، لكن أداء الاقتصاد الأرجنتيني كـان كارثيا خاصة في الأعـوام الأخـ ة، اثنان من كل خمسة أشخاص يعيشان في 90 فقر، والعملة فقدت نحو في المائة من قيمتها خلال أربعة أعـوام، الجفاف المستمر منذ ثلاثة أعـوام أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي". وأضــــاف ق ـائ ـ "الإحــبــاط دفع المواطنين إلى التصويت لمصلحة سياسات اقتصادية أقل ما يمكن أن توصف به أنها مقامرة إن فشلت فستؤدي حتما إلى انهيار اقتصادي، فالرئيس يـريـد أن يتخلى عـن العملة الوطنية ويستخدم الدولار بدلا من البيزو، وقد سبق للأرجنتين أن طبقت تجربة أكثر اعتدالا مـن هـذه السياسة في أوائـل تسعينيات القرن الماضي، عندما وصل حينها الـتـضـخـمفي الأرجــنــتــ إلى ما بين 2 0 0 0 3000 و في المائة، اذ أدى الركود والـتـضـخـم المفرط حينها إلى تثبيت سعر الـــ ف عند بيزو واحـــد في مقابل الــــــدولار، وتـم التخلي عن تلك ا لاسترا تيجية بعد 2002 عام أن أدى الركود الـعـمـيـق إلى احـتـجـاجـات عــنــيــفــة في الـــــشـــــوارع ضــد القيود المـــفـــروضـــة عــ عمليات الــــســــحــــب المصرفي، وبات من غير الممكن الاستمرار في تلك السياسات". ل ـك ـن الـرئـيـس الأرج ـن ـت ـي ـن ـي الجديد يؤكد أنه سيمضي أبــعــد من سـيـاسـات التسعينيات، إذ سـيـلـغـي الـبـنـك المــركــزي بالكامل، فطالما أضحت العملة الرسمية للبلاد الدولار، فلا حاجة إلى بنك مركزي، لأن السياسة المالية للأرجنتين لن تـحـدد في العاصمة بوينس آيـرس، إنما في واشنطن وعبر المجلس الاحتياطي الفيدرالي. من وجهة نظره ونظر مؤيديه، ليس فيما يقوم بـه الرئيس خافيير مايلي من غرابة، ألم تسر بنما والإكوادور والسلفادور في هذا الطريق؟ وهذا صحيح، لكن معارضيه يذكرونه أن بلدا بحجم الأرجنتين وعضو في مجموعة العشرين لم يسبق له أن أقدم على تلك الخطوة. بدورها، ترى فيونا باكي ويل الباحثة في مجال المالية العامة في معهد الدراسات المالية، أن سياسة الدولار المقترحة تواجه تحديات خطيرة. وت ـق ـول لــ"الاقـتـصـاديـة"، "إن الأرجنتين والولايات المتحدة اقتصادان مــخــتــلــفــان تمــامــا، وبالتالي فإن السياسة النقدية الصحيحة بالنسبة إلى الأرجنتين قد تكون خاطئة بالنسبة إلى الأولى، وأي بلد يجب أن يكون حــذرا بشأن التخلي عن حرية تحديد أسعار الفائدة الخاصة به وخفض قيمة عملاته". لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك مشكلة تتعلق بضرورة إجابة الرئيس وفريقه الاقتصادي على سـؤال مهم: من أين ستحصل الأرجنتين على الـــدولارات؟ في الوقت ال ـح ـاضر الـــخـــزيـــنـــة خـــــاويـــــة عـ عــروشــهــا ولا تـوجـد احتياطيات دولارية كافية لدى البنك المركزي، وقدرة الأرجنتين على الوصول إلى أسواق المال العالمية محدودة إن لم تكن معدومة عمليا، فالاقتصاد في وضع مزر، حيث يصعب توقع أن يـقـبـل المستثمرون الــدولــيــون على شراء أي سندات حكومية تصدرها الأرجنتين بالدولار، وحتى لو تقدمت الأرجنتين إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض فمن المشكوك فيه أن تفلح في ذلك، فهي أكبر مقترض من الصندوق. الحل إذن أن يتم خفض قيمة العملة المحلية قبل إلغائها وإحلال الدولار محلها، لكن ذلك يعني ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات شديدة الارتفاع، وقد يدخل الاقتصاد الأرجنتيني إلى نفق مظلم لن ينفجر في وجـه الـــرئـــيـــس ومــســتــشــاريــه فحسب، لكن الأكـ خطورة أنه يأخذ الاقتصاد الأرجنتيني إلى مسار مغلق لا تستطيع معه التقدم إلى الأمام لتبني الدولار كعملة وطنية، أو الرجوع إلى الخلف لوقف البيزو ومنعه من الانهيار. مــن جـانـبـهـا، تـــرى جــودي أنــدرســون أســتــاذة العلوم السياسية في جامعة جلاسكو، أن الـتـحـديـات الـتـي تـواجـه البرنامج الاقتصادي للرئيس الأرجنتيني الجديد لا تقف عند حـدود مـدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع الأرجنتيني فحسب، فالانتقاد دائمـا أكثر سهولة من الفعل، وتعد الرئيس بدأ بداية سياسية غير "حكيمة" قد تضع مزيدا من الصعوبات أمام برنامجه الاقتصادي. وذكـرت لـ"الاقتصادية" أنه "لا شـك أن خافيير مــــايــــ لــديــه تفويض شعبي واضــح، لكن حـديـثـه عن تـــغـــ ات جــــذريــــة لإنـــــهـــــاء انـــــحـــــدار الأرجـــنـــتـــ المستمر منذ قرن مـن الـزمـان وإعــادة البلاد إلى وضعها كـــقـــوة عـالمـيـة 35 في غــضــون عاما أمـر مبالغ فــيــه، ف ـه ـو لا يحظى بدعم مـــن "الــقــوى الـحـقـيـقـيـة" داخــــــــــــل الأرجــنــتــ ، مــــا يـجـعـل وعــوده مجرد وعود، كما أنه بـدأ بالهجوم عـــ الـصـ والـــــ ازيـــــل بـــدعـــوى أنــه لـن يتعامل مع الشيوعيين، وإذا أخـــــذنـــــا في الحسبان أن البلدين هما الشريكان التجاريان ا لرئيسا ن للأ رجنتين فــقــد وضــع نـــفـــســـه في موقف لا ينم عن النضج، إذ إن انتقاد أكبر شريكين تجاريين قد يصيبك أنت بالضرر، ولم ترحب كولومبيا بوصوله إلى سـدة السلطة، إضافة إلى ذلك وضع البيض كله في السلة الأمريكية لن يكون من الحكمة السياسية". وبعض الـخـ اء يعتقدون أن الانـتـقـادات التي يتعرض لها الرئيس الجديد وبرنامجه الاقتصادي أمر طبيعي، كما أن مبالغة الرئيس في تبني برنامج للتحرر الاقتصادي تبدو أيضا طبيعية في الـوقـت الـراهـن، لكن المشهد سيتغير مع مرور الوقت. من جانبه، أكد لـ"الاقتصادية" الدكتور إم.سي. فيليب أستاذ التنمية الدولية فيجامعة لندن، أنه "يجب أولا الإقرار بأن هناك كثيرا مما ينبغي عمله لتغير مسار الاقتصاد الأرجنتيني، ففي ظل الحكومات السابقة قفز التضخم 2019 في المائة عـام 54 من في المـائـة الـيـوم، 143 إلى وارتفعت نسبة الفقر لتصل إلى في المائة، وتمت زيـادة أو 40 ضريبة، وهذا 32 استحداث جعل الاستثمار معقدا إلى حد كبير، واحتياطيات النقد الأجنبي لدى الأرجنتين لا تتجاوز عشرة مليارات دولار، وبذلك دخلت منطقة الخطر". لكن فيليب يواصل قائلا "على الجانب الآخر فإن خفض الإنفاق العام الــذي وعـد به الرئيس سيلامس الأجـزاء الحساسة من الاقتصاد الأرجنتيني، وخفض الإنـــفـــاق الــعــام لمـعـاشـات في المائة 12 التقاعد التي تبلغ من الناتج المحلي الإجـ لي، وكذلك تقليص أو إلغاء دعم قطاع النقل والمـرافـق ليبلغ في المائة سيلحق الضرر 2.5 بالفقراء، ويوجد عدم استقرار سياسيواجتماعي، ولذلك أعتقد أن الرئيس سيتراجع عن بعض وعـــوده، لأنـه سيصعب عليه تطبيقها عمليا". وخــ ل الحملة الانتخابية للرئيس خافيير مايلي، اعتاد أن يلوح بمنشار آلي، بوصفه رمزا لقيامه باستقطاعات مالية ضخمة لتحرير الاقتصاد الأرجنتيني مما يعده قيودا تكبله وتعوقه عن الانطلاق بل تأخذه إلى قاع اليم، والآن وبعد أن وصل إلى سدة السلطة فإنه يعلم أن الطريق لتحقيق برنامجه الرئاسي غير معبد.. نعم فاز بنسبة لا غبار عليها، ما يمنحه أرضية صلبة يستطيع الانطلاق منها لإعادة الأرجنتين إلى عظمتها المفقودة كــ وعـــد، لـكـن الإجـــــراءات الاقتصادية التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، قد تدفع من صوتوا لمصلحته ليكونوا أول منتقديها عندما تصل آثارها إلى جيوبهم، فالتقشف المالي أمر يصعب إقناع فقراء الأرجنتين بـه في الـوقـت الــراهــن، وإذا ما ارتفعت معدلات البطالة والفقر والتضخم إلى مستويات غـ مسبوقة، فــإن الفوضى وعــدم الانـضـبـاط المجتمعي والاح ـت ـج ـاج ـات والإضرابــــات الاجتماعية قد تجعل أعـوام الرئيس الساكن في "البيت الوردي" غير وردية بالتأكيد. NO.11002 ، العدد 2023 نوفمبر 25 هـ، الموافق 1445 جمادى الأولى 11 السبت بعد وضع البيضكله في السلة الأمريكية .. الاقتصاد الأرجنتيني إلى أين؟ «الفرنسية» نوفمبر. 23 الاحتجاج الأول الذي دعت إليه نقابة عمال بولو أوبريرو ضد الرئيس المنتخب وخططه الإصلاحية في خانات 3 من أين سيبدأ الرئيس .. الخزائن خاوية والديون متراكمة والتضخم من من لندن هشام محمود : خبراء لـ التقشف المالي أمر يصعب إقناع فقراء الأرجنتين به في الوقت الراهن أشخاص 5 من كل 2 يعيشان في فقر والعملة % من قيمتها 90 فقدت نحو أعوام 4 خلال سياسة الدولار المقترحة تواجه تحديات خطيرة .. الأرجنتين وأمريكا اقتصادان مختلفان تماما قدرة الأرجنتين على الوصول إلى أسواق المال العالمية محدودة إن لم تكن معدومة عمليا الاقتصاد قد ينتهي بمسار مغلق .. لا تقدم إلى الأمام لتبني الدولار ولا رجوع لمنع انهيار البيزو طريق البرنامج الرئاسي غير معبد .. والبطالة والفقر قد يجعلان أعوام الرئيس غير وردية أسواق وأرقام 4
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=