aleqt: 23-09-2023 (10939)
13 NO.10939 ، العدد 2023 سبتمبر 23 هـ، الموافق 1445 ربيع الأول 8 السبت عمل ملوك المملكة بصفتهم شخصيات عالمية على نشر الإرث السعودي من خلال التمسك به بداية من الثوب المميز بشماغه وعقاله وصولا إلى تأدية الرقصات الوطنية مثل «العرضة» ماذا تعرف عن السعودية؟ لو طرح هذا السؤال خلال العقود التسعة الماضية على مواطنين من دول مختلفة، لن تتخطى أجوبتهم: "برميل نفط، صحراء، جمال سائبة، خيمة بدوية، إقليم نجد، الحرمان الشريفان". بينما إذا طرحنا السؤال الآن مجددا، فلن نستطيع حـر الأجـوبـة بسبب ما باتت تجسده المملكة من تــراث وثقافة عالمية غير عادية، فالمواطن البرازيلي يعلم أنها بلاد القهوة العربية التي يلعب فيها ابنهم الماكر والماهر نيمار، والبريطاني سيذكر رقصة العرضة التي أداها ملكه تشارلز مرتديا الشماغ 2014 الثالث في والعقال السعودي، والأوروبي سيستعرض صـورة له من قلب نيوم والعلا، والآسيوي سيحاول نطق الكبسة بلهجته، أما العربي فشهادته مجروحة لتجانس الهوية والقيم، الأكيد أن الشعب الوحيد الــذي سيعرفك تمام المعرفة هم الأرجنتينيون بعد هزيمتهم في الدوحة على يد سالم الدوسري ورفاقه وتزامنت معها الأهزوجة الشهيرة: أين مـيـي؟الـفـرق بــ الأجـوبـة والتحول مـن دولــة ذات إرث محلي إلى دولـة صاحبة ثقافة عالمية، لا علاقة له بلغة السياسة وحجم الاقتصاد، فهناك دول كثيرة عظيمة اقتصاديا بلا حضارة تذكر، والعكس صحيح، وهنا يكمن التحدي، لأن ربط صورتك الذهنية عالميا بتراثك ليس سهلا ولا مضمون النتائج، ويتم عبر أعوام طويلة من تراكم الخبرات وتعظيم التجارب، والأهم من ذلـك أن يكون لديك محتوى مختلف تقدمه للعالم، وهذا ما حدث فعلا على مدار حكم ملوك المملكة العربية السعودية. هـذا التحدي الثقافي نحو العالم، كان واضحا من البداية، بل يمكن اعتبار تحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد إلى المملكة العربية السعودية هو أولى 1932 سبتمبر 23 في تلك الخطوات، فبهكذا إجراء، صارت هناك هوية واحدة واسم واحـد للدولة، ولم يكن غريبا أن يحتفل الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بهذا اليوم واعتباره عيدا للبلاد، فمن ناحية، الحدث يستحق الاحتفال، لكن من ناحية أخرى أدرك المؤسس أن وجود يوم وطني يحتفل به الجميع بتوحيد دولتهم، هو نوع من تعزيز الهوية وترسيخها داخل نفوس المواطنين أولا، قبل ليضفي مزيدا 2005 أن يأتي عام من التعزيز بوصف هذا اليوم إجـازة استثنائية في القطاعين الحكومي والخاص. العلم الوطني أيـضـا كان إحـدى الآليات لصناعة الهوية السعودية، لكونها بلد الحرمين الشريفين وثقافتها منبثقة من الإسلام، اختارت شهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" عنوانا لها، إضافة إلى سيف مقبضه عند بداية كلمة التوحيد ونهايته نحو السارية كناية عن انتهاء القتال فأصبح رمزا للقوة والمنعة، أما اللون الأخضر الدال على النماء فهو رسالة المملكة للعالم، وكـان إقــراره بهذا الشكل عام .1938 منذ هذا الوقت، لم يتوقف الاهـــتـــ م بـــــالإرث المـحـ السعودي، وعمل ملوك المملكة بصفتهم شخصيات عالمية على نشره من خلال التمسك به في كل مناسبة، بداية من الثوب المميز بشماغه وعقاله، وصولا إلى تأدية الرقصات الوطنية مثل "العرضة" التي تجسد هوية المملكة وتعبر عن القوة والاعتزاز، وفي عص ما قبل "السوشيال ميديا" كان ظهور الملوك بهذا التراث أثناء لقاءاتهم الرسمية مع زعماء ورؤســاء الــدول، كاف لتسليط الـضـوء عليه وبحث الصحف ووكـــالات الأنـبـاء العالمية عن تاريخ هذا التراث، أقربها البشت السعودي الـذي ارتــداه رئيس الـوزراء الياباني الراحل شينزو آبي في خيمة في العلا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمانفي .2020 يناير في بداية التسعينيات، ظهر مفهوم العولمة وتحويل العالم إلى قرية صغيرة، ومـع تنامي الـثـورة التكنولوجية الناشئة وقتها، تعرضت جميع الدول بحسب السياسي الأمريكي المخضرم، هنري كيسنجر إلى أزمـة هوية، فالعص الجديد تذوب فيه الأفكار والانتماءات بشكل يجعل الاستقرار الداخلي لأي دولـة أمـرا صعبا، فالهوية والثقافة ليست فقط مجرد عنوان للدولة بل أهم عوامل الاستقرار داخل المجتمع، فتوحيد الفئات المختلفة في الـديـن والعرق واللغة تحت قوانين وأنظمة ثابتة واعتزازهم بثقافة موحدة أســـاس قــوة أي دولـــة بحسب "كيسنجر"، وأمام هذا الطوفان، ومـع التمسك باللحاق بركب التقدم، ظلت الرياض محافظة على هويتها التي رسختها خلال العقود السابقة. إذا جاز القول يمكن اعتبار الملك المؤسس أول من زرع الهوية السعودية في نفوس مـواطـنـيـه، ثــم تـــ ه أبـنـاؤه الملوك الذين رسخوا وعـززوا تلك الهوية، فالمؤكد أن الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الل ه- وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أطلقا خلال العقد المـاضي المرحلة الثالثة التي استهدفت في المقام الأول نقل التراث السعودي من المحلية إلى العالمية، وبرعايتهما المباشرة وضعت الهوية الوطنية ، وهو 2030 أولـويـة في رؤي ـة تصف ريادي بين الدول، خاصة أنه لم يكن مجرد عنوان لامع فقط، بل سرعان ما تحولت تلك الرؤية إلى واقـع عملي، بداية من برنامج "تعزيز الشخصية الـسـعـوديـة" الـــذي أطـلـق في برنامجا تؤدي إلى هذا 11 ،2020 الغرض. كـل خـطـوة تجعل اللوحة الخضراء أوضح، قاعدة طبقت عـ الـــ اث الـسـعـودي خلال الأعــــوام الـثـ ثـة المـاضـيـة، الذي خصصته 2021 بداية من وزارة الثقافة لـ"الخط العربي" واحتفت به من خلال فعاليات داخل وخارج المملكة، فما كان من اليونيسكو إلا اعتماده رسميا تراثا ثقافيا غير مادي في ديسمبر من العام نفسه، وفي انتصار 2022 واضح للهوية العربية، أما فخصصته وزارة الثقافة للقهوة مشروبا ليس سعوديا فقط، بل يملك دلالات عميقة على الكرم والضيافة والخصوصية الفريدة للثقافة الـسـعـوديـة، بحسب وصف الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، وأقيمت الفعاليات والمهرجانات خـ ل العام من أجـل تعريف العالم بـ"القهوة السعودية". لم تتوقف أجزاء الصورة عن فبراير من 22 الاكـتـ ل، ففي العام نفسه، احتفلت المملكة أيضا لأول مرة بـ"يوم التأسيس" وهــو إحـيـاء لـذكـرى تأسيس الدولة السعودية الأولى بحسب المرسوم الملكي الذي أصدره الملك سلمان بـن عبدالعزيز - حفظه الله - كما أصــدر في 11 مرسوما آخر باعتبار 2023 مارس من كل عام عيدا لـ"العلم السعودي"، وهو اليوم الذي أقر فيه الملك عبدالعزيز راية المملكة بشكلها الحالي، إضافة إلى ذلك كانت قــرارات أخرى، منها: موافقة مجلس الشورى عــ مــــ وع نــظــام تعزيز استعمال اللغة العربية الذي يهدف إلى الالتزام بلغة الضاد من خلال حث الجهات الحكومية وغير الحكومية على استعمالها، وهكذا شيئا فشيئا فهم سر هذا الاعتزاز الذي يسير به المواطن الـسـعـودي في كـل مـكـان في العالم، مؤمنا من داخله أنه صاحب حضارة وتـراث عالمي، ومشاهد للآخرين الذين حين يـذكـر اســم بـــ ده السعودية يحدثونه هم عنها، بداية من مدائن صالح وواحــة الأحساء والدرعية وهي آثار عالمية مسجلة في اليونيسكو، وصـــولا إلى مجرور وخبيتي وسامري، وجميع ألوان الرقص والفنون الشعبية السعودية خـ ل الاحتفالات، التي تعتزم وزارة الثقافة أخيرا تسليط الضوء عليها من خلال مهرجان "لحن المملكة". كل خطوة تجعل اللوحة الخضراء أوضح الهوية الوطنية السعودية .. من إرث محلي إلى ثقافة عالمية من الرياض عبدالرحمن عابد إصدارات
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=