aleqt (10926) 2023/09/10
التصنيع الأمريكي عند منعطف التنشيط .. هيكلة ركيزتها الابتكار لاستعادة المكانة المفقودة في الـعـقـود الأخــــرة بـدت الولايات المتحدة الأمريكية كأنها معرضة لخطر فـقـدان مكانتها بوصفها اقتصادا صناعيا رائـدا على مستوى العالم، وبينما نما الناتج المطلق للبلاد خلال القرن الـحـالي، انخفضت حصتها في الناتج المحلي الإجـ لي العالمي للصناعات التحويلية، وتباطأ نمو قطاع التصنيع فيها بشكل كبي من في المائة في تسعينيات القرن 4.9 في المـائـة في 1.4 المــاضي إلى العقدين الماضيين. وفي الواقع فـإن النمو الذي عاما الماضية 20 تحقق في الـــ لا يعود الفضل فيه إلى الإنتاج المــــادي بــل إلى مــجــالات مثل التصميم والخدمات والبرمجيات، وقد انخفض عدد شركات التصنيع والمصانع في الولايات المتحدة في المائة نتيجة الإغلاق. 25 بنسبة لكن الوضع يتغي الآن، وتعود الولايات المتحدة للسيطرة على زمــام الأمــور في مسعى حثيث وسريـــع لاسـتـعـادة مــا فقدته في مجال التصنيع، فالاقتصاد الأمريكي يشهد حاليا طفرة في بناء المصانع ويشهد الإنفاق على عمليات تشييد المصانع ارتفاعا كـبـرا، ويـعـود الفضل في تلك الـطـفـرة إلى تشريعين أقرهما الـكـونـجـرس الــعــام المـــاضي، أحدهما يتضمن حوافز استثمارية ضخمة لإنتاج أشباه الموصلات، بينما يتضمن الآخر حوافز لعناصر مثل إنتاج السيارات الكهربائية أو التشجيع على استخدام المنتجات الصناعية المحلية. ويهدف التشريعان جزئيا إلى بناء القدرة التصنيعية الأمريكية، ورغــم أن التبعات الاقتصادية الـنـهـائـيـة لـتـلـك الـتـ يـعـات ستستغرق أعواما قبل أن تظهر نتائجها، إلا أن المؤشرات الأولية تبدو إيجابية بل تفوق التوقعات. لا يـزال بعض الخبراء يلقون بالمسؤولية على وباء كورونا في توجيه ضربات مؤلمة لكل جوانب الحياة الأمريكية، وجزئيا لعرقلته الصناعات التحويلية، ففي عام 578 كان الوباء كفيلا بمحو 2022 ألـف وظيفة في مجال التصنيع الأمريكي. يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور جاستين هارولد أستاذ الاقتصاد الصناعي في جامعة برمنجهام "كانتأمريكاتتمتعبسياسةصناعية متينة وذات طبيعة مستدامة، مـا جعلها الـقـوة التصنيعية الأولى على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لكن منذ سبعينيات القرن المـاضي بدأت في إهـ ل قطاع التصنيع، ولم تمنحه الأولوية التي كان يتمتع بها سابقا، وكشفت جائحة كورونا الثغرات ونقاط الضعف الناجمة عن تراجع التصنيع الأمريكي، خاصة مع المشكلات الصعبة التي منيت بها سلاسل التوريد عالميا، إذ لم يفلح الاقتصاد الأمريكي في تلبية احتياجات مواطنيه من سلع مهمة مثل بعض أنــواع الأدويـة والمستلزمات الطبية، وحتى اليوم لا تـزال أمريكا تعاني نقصا في رقائق أشباه الموصلات". ويضيف "رغم الضربات التي وجهها الوباء للقطاع الصناعي الأمريكي بخفض أعداد العاملين، إلا أنـه جعل الإدارة الأمريكية والكونجرس، يعملان على تعزيز القوة الصناعية الأمريكية والابتكار التكنولوجي، حيث عـاد شعار "صنع في أمريكا" إلى الواجهة مجددا". لا ينفي الخبراء وجهة النظر أعـ ه، إلا أنهم أكثر ميلا إلى أن الطفرة التصنيعية الراهنة في الولايات المتحدة تعود إلى إدراك المسؤولين أن مكانتها العالمية مرتبطة أكثر بقدرتها التصنيعية، كما أن للتصنيع تأثيا أكثر إيجابية في الاقتصاد الكلي من القطاعات الأخرى. من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" إن. دي. جـورج أستاذ الاقتصاد الأمـريـ في جامعة لندن "في الولايات المتحدة يمثل التصنيع تريليون دولار مـن الناتج 2.3 المحلي الإجـــ لي، ويعمل فيه مليون شخص، ويدعم مئات 12 الاقـتـصـادات المحلية، ويمثل في المائة من الناتج المحلي 11 في المائة من العمالة 8 الإجمالي و في المائة 20 المباشرة ويسهم في من استثمار رأس المال في البلاد، في المائة من نمو الإنتاجية 35 و 70 في المائة من الصادرات و 60 و في المائة من البحث والتطوير في مجال الأعمال. تلك المعدلات تجعل هذا القطاع إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الأمريكي". ويـعـد إن.دي.جــــــورج قطاع التصنيع الأمريكي وصل الآن إلى انعطافة مهمة، مبينا أن القطاع شهد قبل أزمـــة كوفيد بعض التعافي من عثرات سابقة، إذ تمت مليون وظيفة صناعية 1.3 إضافة ،2019 - 2010 إلى الاقتصاد بين 5.8 بعد أن خسر القطاع الصناعي مليون وظيفة خلال العقد الأول من القرن الحالي، كما أن النجاحات الصناعية الأمريكية الحالية ستؤدي إلى تحسن مرونة الاقتصاد الكلي، ومــع اسـتـعـادة النمو والـقـدرة التنافسية في الصناعات التحويلية الرئيسة من الممكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في المائة من الآن 15 بأكثر من .2030 حتى عام وبـالـفـعـل فـــإن مـراكـز أبحاث دولية أشارتفي تقارير لها إلى أن التحول الفعال في قـطـاع التصنيع في الـولايـات المتحدة يمكن أن يسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجــ لي بما يــراوح بين مليار دولار، إضافة 460 و 275 مليون فرصة عمل، مع 1.5 إلى الإشارة إلى أنه في أغلب الأحوال توظف الصناعة شريحة أوسع من المتوسط من إجــ لي السكان، ولا تحتاج إلى موظفين يحملون شهادات جامعية، ويمكن للعاملين فيقطاع التصنيع أن يكسبوا ضعف ما يكسبه أولئك الذين يشغلون وظائف مماثلة في قطاع الخدمات. ويرجح البعض أن يؤدي التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين إلى مضي الولايات المتحدة قدما في تعزيز سياساتها الراهنة بإعادة الاهتمام بالقطاع الصناعي ككل، ولـيـس فقط الصناعات فائقة التكنولوجيا، حيث يزداد الشعور لدى صانعي القرار الاستراتيجي الأمـريـ بــأن السياسات التي اتبعتها واشنطن لعقود بنقل عديد من الصناعات إلى الأراضي الصينية، تحت دعـاوى متعددة منها انخفاض تكاليف الإنتاج، أو أن ذلك يسمح بإعادة توزيع الموارد المالية والبشرية بما يعزز تخصص الولايات المتحدة في الصناعات الأكـ تطورا، أو حتى مكافحة الـتـلـوث بتحويلها مـن مشكلة أمريكية إلى مشكلة صينية، قد عادت بعواقب وخيمة على الولايات المـتـحـدة اتضحت تداعياتها بشكل كبي خلال جائحة كورونا والمشكلات الـحـادة في سلاسل التوريد والإحساس العام بأن تلبية احتياجات المستهلك الأمريكي باتت مرهونة بمواصلة الصين الحفاظ على لقب "مصنع العالم". ويــدرك عديد من المسؤولين الحكوميين أن انحدار الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة أسهم في اتساع فجوة التفاوت مع البلدان الصناعية الأخرى وإضعاف القدرة التنافسية العالمية للبلاد، ومن ثم بات تنشيط التصنيع أمرا ضروريا لتحقيق النمو المستدام والشامل، إلا أن إعــادة تنشيط التصنيع في الـولايـات المتحدة ستتطلب التركيز عـ الابتكار والتميز، وهــو مـا يدفع بمايكل توماس الخبي الاستثماري إلى القول "إن الاهتمام الأمريكي بإحياء عديد من الصناعات قد يتطلب إعادة النظر في النماذج التي هيمنت على تطور الصناعة عقودا من الزمن، بهدف جعل التصنيع أكثر استدامة وأكثر رقمية ومهارة ومرونة". ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن نجاح الاستراتيجية الأمريكية لإعـادة إحياء الصناعة سيتطلب مجابهة مجموعة من العوامل التي تمثل تحديا لا تجب الاستهانة به، وهو تحدي الطاقة بهدف التحول إلى مصادر منخفضة الكربون، وهـذا تحد اقتصادي وفني في آن واحــد، خاصة بالنسبة إلى قطاعات الصناعات الثقيلة كثيفة الاستخدام للطاقة مثل صناعة الحديد والـصـلـب، لكن يجب أن نشي إلى أن عملية التحول في مجال الطاقة ستوفر فرصا كبية للمصنعين الأمريكيين، اذ سيتفع الطلب على معدات توليد الطاقة المتجددة الجديدة بنحو أربعة أضعاف بحلول عام ."2050 ويضيف "في جميع أنحاء الـــعـــالم تعمل الـصـنـاعـة عــ زيـــادة اســتــثــ راتــهــا في مــجــالات التكنولوجيا الرئيسة، وعلى سبيل المـثـال مـن المتوقع أن 50 تنمو صناعة الروبوتات بنحو في المائة 6 مليار دولار بنسبة سنويا في الأعوام الثلاثة المقبلة، والشركات الأمريكية ستستفيد من تلك الموجة من الابتكارات التي ستعززها الابتكارات الرقمية، خاصة مـع قيام أســـواق رأس المال باستثمارات كبية في هذا المجال". لكن بالنسبة إلى أغلب الخبراء فإن قضية إعادة تنشيط الصناعة الأمريكية ستكون لها انعكاسات في الأمــد الطويل عـ كـل من الاقـتـصـاد الـعـالمـي والـتـجـارة الدولية. فالتحول الأمريكي نحو مزيد من التصنيع سيؤدي عادة إلى إطلاق العنان لموجة من الهيكلة في شبكات التصنيع عبر العالم، وتطوير لشبكات سلاسل الإمداد لتكون أكثر مرونة من الشبكات الراهنة التي تكشف ضعفها خلال جائحة كورونا. بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة سـوزن أنــدروا أستاذة الـتـجـارة الـدولـيـة في جامعة كامبريدج "استعادة قطاع التصنيع في الــولايــات المتحدة قدرته الإنتاجية وحيويته التاريخية، سـتـؤدي حتما إلى انعكاسات اقتصادية على عديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة سواء عبر المحيط الأطلسي أو أمريكا الجنوبية، فموجة جديدة من التصنيع في الولايات المتحدة ستؤدي إلى تسونامي في عديد من الاقتصادات الناشئة التي ستعيد هيكلة اقتصاداتها التصنيعية لتتلاءم مع تلك الهجمة الأمريكية، وبينما ستندثر بعض الصناعات في الاقتصادات الناشئة لعدم قدرتها على منافسة الصناعات الأمريكية، ستستفيد مجموعة أخرى بالتخديم على الصناعات الأمريكية مـن خــ ل مدخلات الإنتاج، وسينجم عن ذلك تحول في التجارة الدولية عبر المناطق والأقاليم المختلفة، بما يمكن أن يسهم - وفقا لبعض التقديرات- تريليون دولار 4.6 بزيادة بنحو في التجارة العالمية خلال الأعوام الخمسة المقبلة". مع هذا سيظل نجاح سياسات التصنيع الأمريكية مرتبطا بالقدرة على إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها لتعزيز قدرتها على تلبية الاحـتـيـاجـات المحلية، والسيطرة على تكاليف الإنتاج لتكون أكثر قدرة علىتعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة منافسيها الدوليين، خاصة السلع الصينية والاقتصادات الناشئة من جنوب وجنوب شرقـي آسيا، وستكون عليها المواءمة مع التحديات التي تواجهها من خلال خطط تمويل وتوظيف مبتكرة أكثر قدرة على الإسراع بتنشيط القطاع الصناعي الأمريكي لاستعادة مكانته الدولية التي تراجعتفي العقود الأخية. الاقتصاد الأمريكي يشهد حاليا طفرة في بناء المصانع وسط إنفاق كبير على عمليات تشييد المصانع. بعد انحدار أدى إلى توسيع فجوة التفاوت مع الدول الصناعية الأخرى استعادة قدرة التصنيع الأمريكي ستكون لها انعكاسات على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية تنشيط الصناعة سيؤدي إلى «تسونامي» في الاقتصادات الناشئة لتتلاءم مع الهجمة الأمريكية من لندن هشام محمود NO.10926 ، العدد 2023 سبتمبر 10 هـ، الموافق 1445 صفر 25 الأحد الاقتصاد الأمريكي لم يفلح في تلبية الاحتياجات لسلع مهمة كالأدوية والمستلزمات الطبية ضربات الوباء للقطاع دفعت الإدارة الأمريكية والكونجرس إلى إعادة شعار «صنع في أمريكا» شركات التصنيع الأمريكية ستستفيد من موجة الابتكارات باستثمار أسواق رأس المال فيها أسواق وأرقام 8
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=