aleqt (10924) 2023/09/08
الرأي إننا نستعمر الآخرين لأننا لا نحاول أن نفهم أو بالأحرى أن نوافق على قبولهم كما هم مع لغتهم وقيمهم وتراثهم. السبب؟ لأننا نرى أن قيمنا ولغتنا وثقافتنا أسمى مما لديهم وعليهم قبول ما لدينا طوعا أم كرها. لنسلط الضوء على أوروبا، وفرنسا على الخصوص، وتشبثها بإرثها الاستعماري ولا سيما فرض القيم والثقافة التي لديها على مواطنيها الذين يتألفون اليوم من طيف من القيم والثقافات. هل بات الإرث الاستعماري عبئا على الغرب؟ هناك تعاريف كثيرة للاستعمار. وكـذلـك هناك أنـــواع شتى للاستعمار. وليس من اليسر في مكان شرح مفردة الاستعمار لما فيها من ظلال للمعاني تختلف من مكان إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى. إن استهللنا مقالنا لهذا الأسبوع بتعريف مبسط للاستعمار، أقول إن الاستعمار هو السيطرة من قبل قوة مهيمنة على منطقة أو شعب أضعف منها. ويتجلى الاستعمار في أسـوأ مظاهره وممارسته عندما تسعى القوة المهينة هذه إلى إخضاع أو تسخير أو استعباد الآخرين لغرض الاستغلال وفرض لغتها وقيمها الثقافية عليهم. قبل الولوج في شرح المفاهيم الـواردة في التعريف في أعلاه، نود التذكير أن التاريخ يعلمنا دروسا مختلفة حول وجهة النظر التي نملكها حول الاستعمار. وإن كان الاستعمار وجهة نظر ـ وهو كذلك كما سنرى ـ فإن كل استعمار للاستعمار قد يكون نسيبا. نشرح أكثر ونقول من النادر أن نرى أمة تخلع عن نفسها نير الاستعمار الذي استعمرت به شعوبا أو دولا أخرى. كل أمة ترى أن استعمارها الآخرين حميدا، إن كانت وجهته استغلال الموارد أو فرض لغة جديدة أو قيم ثقافية دخيلة على المستعمرين "بفتح الميم". دعني أسرد قصصا ثلاثا، لثلاث حالات من الاستعمار. القصص هذه في الإمكان تطبيقها على أي أرضية تعكس المفاهيم الواردة في تعريفنا في أعلاه. أثناء وجـودي طالبا في علوم اللغة في المملكة المتحدة "بريطانيا"، كان لزاما علينا أن نقرأ تاريخ إنجلترا. والمقرر كان مفيدا لأن تاريخ اللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى مرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ البلد الذي نمت وترعرعت اللغة في أكنافه. وكان هناك فصل عن غزو "استعمار" الفايكنج "شعوب جرمانية نوردية من شمال أوروبا" لإنجلترا والأثر الذي تركوه في اللغة الإنجليزية. لكن ما أوقـف شعر رأسي في حينه، كان وصف لهؤلاء القوم "الفايكنج" حيث أسهب المـقـرر في التأكيد أنـهـم قــوم ظالمون ومتوحشون وعن الحضارة والمدنية متخلفون وأنهم أوقعوا سيوفهم في السكان وفرضوا قيمهم الهمجية عليهم، ما أحدث في نفسي ردة فعل سلبية كل مرة يرد اسم الفايكنج أمامي أو تقع عيني عليه. وعند قدومي للسويد "والسويديون شعب نــوردي من الفايكنج" قـرأت أثناء دراستي للسويدية أن هــؤلاء الـقـوم كـانـوا أسمى حضارة ومنعة ومدنية من الأقـــوام التي كانوا يستعمرونها بعد غزوها، وكانوا رواد الأعمال في فنون الحرب وبناء السفن والقيم والحضارة. وظلت الثنائية هذه "بين كون الفايكنج أقواما متوحشة أم أقواما متحضرة" تلاحقني حتى قــراءتي لابـن فضلان الرحالة العربي الشهير ورحلته التي سيخلدها التاريخ والتي أتت تحت عنوان: "رسالة ابن فضلانفيوصف الرحلة إلى بلاد الترك والروس والصقالية". ربما لم أقرأ كتابا تراثيا بالنهم والشغف والشوق الـذي قـرأت فيه ابـن فضلان. ابن فضلان ليس وصفا لرحلة بل كتابا أدبيا ساميا رفيعا وكأنه مسطور بماء الذهب. وهو يستكشف ضفاف نهر الدانوب، يلتقي ابن فضلان بمعسكر للفايكنج الذين كانوا يتخذون من النهر هذا الذي يشق أوروبا لغزو القارة وما بعدها بوساطة قوارب حربية خاصة حيث وصلوا أطراف تركيا. يجن جنون ابن فضلان القادم من بغداد، عاصمة الحضارة والعلم والتمدن في حينه "القرن العاشر الميلادي" وهو يراقب الفايكنج في مجونهم ووحشيتهم التي تصل إلى قتل النساء وحرق جثثهن. الحوار الذي يدور بين ابن فضلان وبين قائد حامية للفايكنج على ضفاف الدانوب من خلال مترجم من أروع ما قرأته في أدب الرحلات. في نهايته يمتعض ابن فضلان من ممارسات الفايكنج ويغادر بسرعة ربما خشية أن يصبح الضحية التالية. مـاذا نستخلص؟ الخلاصة أننا نستعمر الآخرين لأننا لا نحاول أن نفهم أو بالأحرى أن نوافق على قبولهم كما هم مع لغتهم وقيمهم وتراثهم. السبب؟ لأننا نرى أن قيمنا ولغتنا وثقافتنا أسمى مما لديهم وعليهم قبول ما لدينا طوعا أم كرها. لنسلط الضوء على أوروبــا، وفرنسا على الخصوص، وتشبثها بإرثها الاستعماري ولا سيما فرض القيم والثقافة التي لديها على مواطنيها الذين يتألفون اليوم من طيف من القيم والثقافات. على النهج الاستعماري ذاته، وكأنها تقول هاكم مثالا حيا على تعريف الاستعمار الذي أوردناه في مقدمة المقال، تفرضفرنسا اليوم نسختها الخاصة من العلمانية والتي ما هي إلا وجهة نظر قد تقبل الخطأ والصواب، وإلا كيف تفرض حكومة غربية ونحن في العقد الثالث قيمها العلمانية على طلاب 21 من القرن الــ وتلاميذ المدارس قسرا. الحكومة الفرنسية تريد أن يدخل وزراؤها المدارس والصفوف وليس هناك رمز أو قيمة ثقافية تدلل على الدين، واتخذوا من العباءة قميص عثمان، يدعون أن حظرها ترسيخ للعلمانية ولكنها في الجوهر محاربة القيم الثقافية للآخرين واستئصالها وفرض ما لديهم من قيم عنوة ـ وهذا أبشع أنواع الاستعمار. تحديات انعدام الأمن »4 من 2« الغذائي تفاقمت التحديات التي يواجهها الناس كل يوم في إفريقيا الوسطى بسبب الحرب في أوكرانيا العام الماضي، حيث كانت أوكرانيا توفر إمدادات الحبوب الحيوية للدولفيجميع أنحاء إفريقيا. وفي الوقت نفسه، لا تزال أزمة المناخ المستمرة تهدد آفاق الزراعة على المدى الطويل في هذه الدولة. وتعني شدة موجات الجفاف والفيضانات التي شهدتها إفريقيا في المائة 75 الوسطى في الأعوام الأخيرة أن من السكان سيعانون قريبا الآثار السلبية لتغير المناخ. فلقد أصبح الأمن الغذائي على المحك. وتردد تاتيانا قائلة: "في السابق، كانت حياتنا صعبة، وحتى العثور على الطعام كان صعبا"، وهي تتذكر بوعي معاناتها بسبب انعدام الأمن الغذائيفي الماضي. ويواصل البنك الـدولي العمل مع حكومة إفريقيا الوسطى لضمان حصول الناس على ما يكفي من الغذاء اليوم، فضلا عن اكتساب المـهـارات والحصول على المعدات اللازمة للتوسع في الزراعة بما يتجاوز حد الكفاف، كما فعلت تاتيانا. ويساعد المـ وع الطارئ للتصدي لأزمة الغذاء في إفريقيا الوسطى المزارعين مثل تاتيانا على زيــادة إنتاج الأغـذيـة، فضلا عن تحسين قـدرة المـزارعـ أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر المعيشية الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي على الصمود من خلال توفير المستلزمات والخدمات الزراعية، بما في ذلك المحاصيل والـ وة الحيوانية ومعدات التصنيع وخدمات الإرشاد والتدريب. وساعد طن من المستلزمات حتى الآن 3،200 أكثر من ألف مـزارع على زيـادة إنتاج 36 ما يقرب من في المائة، ما أدى إلى 125 محاصيلهم بنسبة زيـادة الغلة وتجنب الصدمات الغذائية في المستقبل. في السابق، كانت حياتنا صعبة، وحتى العثور على الطعام كان صعبا. مشروع النهضة: بناء القدرة على الصمود على المدى المتوسطفي مدغشقر على الرغم من أهمية التصدي لحالات الطوارئ الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي وضمان حصول السكان على ما يكفي من الغذاء يوميا، لا يقل أهمية عن ذلك ضرورة مساعدة الدول والأفراد على زيادة قدرتهم على الصمود لتجنب الطوارئ المستقبلية في إطار عملية التنمية. وفي مدغشقر، تفاقم الفقر جـراء تغير المناخ، ولا سيما بسبب موجات الجفاف وتأخر هطول الأمـطـار المتأخرة وهجوم أسراب الجراد. وهذه التحديات مدمرة، خاصة في جنوب البلاد، حيث تقتصر مصادر سبل العيش في المقام الأول على زراعـة الكفاف وصيد في المائة... 90 الأسماك، ويتجاوز معدل الفقر يتبع. » 2 من 1 فجوة عدم المساواة الاقتصادية والسياسية واتساعها « لقد أثار تراجع الأنماط الحكومية في ممارسة أنظمة الحكم وصعود الأنظمة الجديدة جدلا في الأع ـوام الأخيرة ـ وذلك لسبب وجيه. بدءا من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، لدينا قائمة متزايدة من مثل هؤلاء الحكام المحتملين الذين يوجهون شكلا غريبا من أشكال الشعبوية اليمينية. وفي حين يعدون بحماية المواطنين العاديين والحفاظ على القيم الوطنية القديمة، فإنهم يتبعون السياسات الكفيلة بحماية الأقوياء وتقويض المعايير القديمة ـ ويتركون بقيتنا نحاول تفسير السبب وراء اكتسابهم مثل هذه الجاذبية. على الرغم من وجود عديد من التفسيرات، إلا أن أحد الأسباب البارزة يتمثل في اتساع فجوة التفاوت، وهي مشكلة تفرضها الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة وترتبط في نواح كثيرة بتآكل الديمقراطية. إن التفاوت الاقتصادي يـؤدي حتما إلى التفاوت السياسي، وإن كان بدرجات متفاوتة بين الدول. وفي دولة مثل الولايات المتحدة، حيث لا توجد أي قيود تقريبا على المشاركة في الحملات الانتخابية، تحولت عبارة "الشخص الواحد والصوت الواحد" إلى "الدولار الواحد والصوت الواحد". في الواقع، يمكن أن يعزز هذا التفاوت السياسي نفسه ذاتيا، ما يـؤدي إلى ظهور سياسات تعمل على زيادة ترسيخ عدم المساواة الاقتصادية. تفضل السياسات الضريبية الأغنياء، بينما يفضل نظام التعليم أنظمة مكافحة الاحتكار التي تتسم بالامتيازات بالفعل التيلم تصمم وتنفذ بالقدر الكافي، التي تميل إلى إعطاء الشركات حرية التصرف في حشد واستغلال قوة السوق. علاوة على ذلك، نظرا لخضوع وسائل الإعلام لهيمنة شركات خاصة يملكها حكام أثرياء، مثل: روبرت مـردوخ، فإن قسما كبيرا من الخطاب السائد يميل إلى تعزيز الاتجاهات نفسها. وبذلك، لطالما قيل لمستهلكي الأخبار، إن فرض الضرائب على الأغنياء يضر بالنمو الاقتصادي، وأن ضرائب الإرث هي ضرائب على الموت، وما إلى ذلك. في الآونة الأخـ ة، انضمت وسائل الإعلام التقليدية التي يسيطر عليها الأثرياء إلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي يسيطر عليها الأثرياء، باستثناء أن هذه الأخيرة أقل تقييدا في نشر المعلومات المضللة. وبفضل المادة ، فإن 1996 من قانون آداب الاتصالات لــ 230 الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها غير مسؤولة عن محتوى الطرف الثالث المستضاف على منصاتها ـ أو عن أغلب الأضرار الاجتماعية الأخـرى التي تسببها "وليس أقلها للفتيات المراهقات". في هذا السياق الذي تحكمه الرأسمالية دون مساءلة، هل ينبغي لنا أن نندهش إزاء نظرة عديد من الناس إلى التركيز المتزايد للثروة بعين الريبة، أو اعتقادهم بأنه تم التلاعب بالنظام؟ إن التصورات السائدة على نطاق واسـع بأن الديمقراطية قد حققت نتائج غير عادلة أدت إلى تقويض الثقة في الديمقراطية ودفعت البعض إلى استنتاج مفاده أن الأنظمة البديلة قد تحقق نتائج أفضل. عاما، كان كثير 75 هذا نقاش قديم. حتى قبل من الناس يشككون في قدرة الديمقراطيات على التطور بسرعة تطور الأنظمة الاستبدادية نفسها. واليوم يطرح عديد من الناس السؤال نفسه حول أي نظام "يوفر" قدرا أعظم من العدالة. ومع ذلك، تجري هذه المناقشة في عالم يتمتع فيه الأثرياء بـالأدوات اللازمة لتشكيل التفكير الوطني والعالمي، وأحيانا بأكاذيب صريحة "(لقد تمتسرقة الانتخابات!)، (وقد تم التلاعب بآلات التصويت!) ـ وهي كذبة كلفت قناة فوكس مليون دولار"... يتبع. 787 نيوز خاص بـ «الاقتصادية» .2023 ، بروجيكت سنديكت على الرغم من وجود عديد من التفسيرات، إلا أن أحد الأسباب البارزة يتمثل في اتساع فجوة التفاوت، وهي مشكلة تفرضها الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة وترتبط في نواح كثيرة بتآكل الديمقراطية. إن التفاوت الاقتصادي يؤدي حتما إلى التفاوت السياسي، وإن كان بدرجات متفاوتة بين الدول. NO.10924 ، العدد 2023 سبتمبر 8 هـ، الموافق 1445 صفر 23 الجمعة 13 1987 أسسها سنة الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد جريدة العرب الاقتصادية الدولية www.aleqt.com 1992 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير عبدالرحمن بن عبدالله المنصور مساعدو رئيس التحرير عبدالله البصيلي سلطان العوبثاني حسين مطر مديرا التحرير علي المقبلي أحمد العبكي المراسلات باسم رئيس التحرير edit@aleqt.com د. ليون برخو leon.barkho@ihh.hj.se جوزيف إي. ستيجليتز * حائز نوبل في الاقتصاد، أستاذ في جامعة كولومبيا هولجر كراي * مدير ممارسة الزراعة والأمن الغذائي - البنك الدولي
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=