aleqt: 07-09-2023 (10923)
12 NO.10923 ، العدد 2023 سبتمبر 7 هـ، الموافق 1445 صفر 22 الخميس حفظ العرب جوهر عبقريات الأمم والحضارات التي سادت ثم بادت، ثم أضافوا وصححوا وبنوا مجدهم الفكري المشهود، ورغم تلك الجهود كلها، يطرح التساؤل التالي نفسه: من سرق من العرب حضارتهم؟ في كتابها الـــري "أمـــة على رسلها: تأملات من بلاد العرب"، تفند الأمـــرة مها بنت محمد الفيصل المسرديات الكلاسيكية الخاطئة والأكاذيب التاريخية التي تنفي دور العرب في بناء التاريخ الفكري والـحـضـاري الإنـسـاني، في اسـتـراق مـضـاد كـا يصح تسميته، قـادم من بـ د العرب وبقلم قـارئـة فاحصة للتاريخ الأوروبي والكنسي، وعارفة بتاريخ الأفكار والتيارات الإيديولوجية المتصارعة، تدعو لأن يكتب العرب قصتهم بأنفسهم. «الثقافة» وابنتها المزعومة «الحضارة» تتبصر الأمــرة مها الفيصل، الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في معنى "الحضارة"، الكلمة العاجزة عـن احــتــواء التجربة البشية المتنوعة، لتلفت الانتباه في كتابها إلى أن الحضارات العريقة على مر العصور لم تعرف نفسها على أنها ذات حضارة، وتطرح السؤال: لماذا؟ وتتابع على صفحات كتابها بأن مصطلح "الحضارة" فكرة حديثة مختلفة عم يقصده ابن خلدون، فهم محدث وكلمة ابتدعت في حقبة التنوير كمعين لــــفــــهــــم العالم - بعيد زمن الاكتشافات الـكـرى - مـن منطلق منظور غــربي تقدمي لاديـنـي، وأصبح لـهـذا المفهوم المبتكر قيمة ذاتية غائية، فكلم خفت نباس الدين اشتعل وهج "الحضارة" وتعاظمت أهميتها، لتصبح غاية تسعى إليها البشية ومعيارا تصوب نحوه الآمـال، وما تعنيه فعليا هو التمثل الكامل للتمدن الأوروبي لا غي، ولكن المتبصر في معنى "الحضارة" يجدها كلمة عاجزة عن احتواء التجربة البشية بإرهاصاتها المتنوعة، والعمل على جعلها المحصلة الأعلى للقيم البشية أمر يدعو إلى العجب. ولعل ابـتـداع هـذا المفهوم الأجوف من قبل بعض الشعوب، جاء لتجعل منه المعيار الأعلى والــنــمــوذج الأســمــى للتطلع الإنساني، وأخذت البشية جمعاء تنكب عــ وجـوهـهـا أمـــ في اللحاق به، حيث ظهرت الحاجة إلى هذا المصطلح والأيديولوجية المـصـاحـبـة لــه عـنـد المـالـك الجرمانية الفتية التي تغلبت على ما تبقى من حطام الدولة الرومانية بعد خروجها من عزلتها، إلى منطلق حضاري، تقارع به أمم أبعد منها حضارة وأعرق منها إرثا، بما فيه إرثها الديني الذي هو شرقي بامتياز. كيف نسيت أوروبا إرثها العربي؟ يقول ريمـي بـراج الفيلسوف والمستشق الفرنسي: "أليس مـن الممكن أن تـكـون حمسة الأوروبيين للتغلب على الشعوب الأخرى منبعها هو الإحساس بتلك التبعية الثقافية التي تمثل لب حضارتهم؟"، ويتساءل عم إذا كانت ظاهرتا الاستعمر والأنسنة سببهم أيضا التعويض عن هذا الشعور، وتتفق الأمية مــــهــــا الفيصل أن من رحم هذا الشعور كانت ضرورة ولادة ذلك المفهوم المبتكر "الحضارة". تدعم الفيصل ردهــا بورقة تـحـمـل عــنــوان "كــيــف نسيت أوروبا إرثها العربي؟" لعبدالحق كومبتيه، قـال فيها: إن السرد التقليدي المتعارف عليه والمقبول لقصة الحضارة الغربية يتحدث أنه أعادت الكتابات 1500 قبيل عام الإغريقية الذاكرة المفقودة لماضي أوروبا الإغريقي الروماني، وبفضل مـن التقدم ذلــك انطلق عـ العلمي والحضاري، والواقع يحكي قصة أخرى، وهي أن التقدم لم ، لكنه بـدأ في 1500 يبدأ عـام الميلاديين، 12 والـ 11 القرنين الـ بفضل نقل علوم حضارة العرب إلى أوروبــــا"، مـشـرا إلى محاولات لإزالـة التأثي العربي ضمن الشائع والأعــراف العلمية والـــفـــكـــريـــة، واسـتـحـكـمفي أذهان الأوروبيين تصور، بل قناعة، أن المـــصـــدر الـثـقـافي الفكري الوحيد لأوروبــا هم الإغريق، وما كان لأحد من مفكري أوروبا أن يجرؤ على ذكر مصدر عربي لإلهاماته واكتشافاته الثورية، وقد دعموا هذا الاعتقاد والتكرار والإلحاح المتتالي لهذه السردية، أيسردية إحياء المصادر الكلاسيكية للحضارة الغربية حتى بات التراث العربي لأوروبا مبعدا ومنسيا. وتعب مؤلفة الكتاب -الـذي يزدان غلافه بصورة الملك فيصل في شبابه- عن دهشتها من أننا أمسينا أشد المدافعين عن هذا الطرح المفضي إلى رفض فضل حـضـارة الـعـرب عـ الآخـريـن، وتتساءل عقب ذلك: ما المنفعة المرجوة بالنسبة لنا؟ لتعلق قائلة: "العجيب أنه أصبح من الـدارج أن تقارن أمـم هي في حالة ضعف وسقوط مع أمم في أعلى تعبي قوة لها، فلو أردنا أن نقيم مقارنة فعلية بين الثقافة الغربية وثقافة العرب، فلا بـد أن تـقـام هذه المـــقـــارنـــة بـ الإمـــراطـــوريـــة الـعـبـاسـيـة في عـهـد هـــارون الــــرشــــيــــد والإمباطورية الغربية اليوم، ولا شك أن هذه المقارنة وهذا التصور يصعب على من استبطن فكرة المسار الحضاري الموحد". اعتزاز وانحياز يبدو كتاب الأمية مها الفيصل متأثرا في لغته بمـا سبقه من إصــدارات روائية، لتضفي متعة فكرية ولغة سلسة إلى تأملاتها، بالاستفادة من معرفتها وخبتها بكنوز التراث العربي. ويمهد للب الكتاب اعتراف، تــؤكــده الـصـفـحـات الأولى منه بمـا للحضارة الغربية المــــــاديــــــة والتقنية اليوم من منجزات للبشية، واختلاف بين وحصيف مـع مـا وصـلـت إلـيـه مـن مادية استهلاكية وخواء روحي، وذهاب بمفهوم الحرية الفردية إلى أقصاه العدمي، حتى ألغيت كل الحدود الأخلاقية والفطرية، وفي الكتاب أيضا اعتزاز وانحياز، اعتزاز بما للمنجز العربي من فضل حضاري إنساني طيلة قرون ملأ فيها العرب الدنيا، من أطراف الهند والـــصـــ حــتــى الأندلس، عـــلـــومـــا ومــــعــــارف وأخـــــ قـــــا وفـــروســـيـــة، وديـــنـــا عالميا سمحا انـضـوت تــحــتــه عــــرات الشعوب بلغاتها وأديانها وثقافاتها، وانحياز مدرك لأسبقية التراث العربي الإسلامي في كـثـر مــن العلوم والمـــعـــارف الإنـسـانـيـة المعاصرة. ويتزامنصدوره مع انطلاق سلسلة المـرويـة العربية، المشوع متعدد الأبعاد الذي دشنه مركز الملك فيصل أواخر الـعـام المـــاضي، ويـهـدف إلى صياغة مروية خاصة بالعرب عن أنفسهم وتاريخهم الذي انطلق من الجزيرة العربية وامتد ليشكل واحـــدة مـن أعـظـم الحضارات البشية على مر التاريخ، إذ يتضمن مشوع المروية محاضرات وكتبا وإصدارات بحثية موزعة على عدد من فروع المعرفة، فيم يعد كتاب "أمة على رسلها: تأملات من بلاد العرب" باكورة إصـــدارات هذه السلسلة، ويهتدى به لمعالجة الالـتـبـاس والــ اجــع الواقعين في مـفـهـوم حــضــارة الـعـرب، والمـــحـــاولات الــــدؤوب لطمس وتهميش الاستحقاق الحضاري العربي، عن عمد وغي عمد، في كثي من الدراسات المعاصرة. العرب ترجمن الحضارات تناقش الأمــرة مها الفيصل عـددا من الموضوعات بالحجج والباهين والأدلة، ومنها "التمدن القبلي"، ففي الوقت الذي يحاول فيه البعضاختزال القبلية الرشيدة فينمط بدائي، مؤسس على قاعدة من العلاقات الاجتمعية الجامدة، محدد ببناء تراتبي صلب، وفيهذا الطرح إجحاف لعبقرية التكوين القبلي، فواقع القبيلة الممتد تاريخيا وجغرافيا لهو دليل على أن القبلية تمثل أحد أنجع حلول الاجتمع البشي. كم تفند زعم كثي من مفكري الغرب أن العرب لم يكونوا سوى ناقلين للحضارة الإغريقية، وهذا تقرير مجحف لا يقبل بـه أحد اليوم، إذ إن بلاد العرب كانت قبل دخول الإسلام تمثل حواضن للفكر الإغريقي، وبعد الإسلام قدمت قراءة منتقاة وعظيمة لإرث الإغريق، أعادت إحياءه وصححت عليه بعد طول سباته. أمة مطمئنة "أمـة على رسلها" هي ترجمة لـ"أمة مطمئنة"، ويقصد بها أمة العرب بحسب وصف كتب العهد القديم العباني المسيحي، الأمة التي خـرج دينهم من بلادهم، وبلغتهم، ونزل على فرد منهم، فهم الأصـل والمنبع لثقافتهم عب القرون، والنبع الذي تسقى منه الحضارة العربية الإسلامية الواسعة. الكتاب الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات 250 الإسلامية، ويقع في نحو صفحة من القطع المتوسط، تهديه مؤلفته إلى الأمية سارة بنت فيصل بن عبدالعزيز التي ألهمتها الكتاب، فهو يشحذ الهمم، ويناشد العرب المشتغلين بالمعرفة والتاريخ أن ينتبهوا للكنوز في موروثهم، وألا يستسلموا للسرديات التاريخية التي تكتب اليوم بغرض وعن جهل. فصلا، وهو 12 يضم الكتاب ورقة كتبتها الأمية 12 في أصله مـهـا الفيصل في مـــدد زمنية مختلفة، تناولت موضوعا محددا من شواغلها الفكرية، يعالج فيها مفاهيم الثقافة والـحـضـارة، ويحمل في طياته تـأمـ ت في الـتـاريـخ الأوروبي والــعــربي، ومـقـاربـة لمصطلح الـحـضـارة العربية والإسلامية، إضافة إلى فـصـول منها: حـضـارة العرب وارتـبـاك المرجعيات، الأنسنة والفصام التأويلي، في تأملات شملت أوسـع حصر ممكن لآراء المؤلفين والدارسين في الحضارة العربية من مختلف العصور، سواء كانوا فلاسفة أو مؤرخين أو علمء نفس أو شعراء، في جهد مضن تطلب قراءة مكتبة أوروبية كاملة وبلغات متعددة. موضوعات كثية تناولها كتاب "أمة على رسلها"، الإصدار الرابع للأمية مها الفيصل بعد أعملها الروائية والقصصية، يكشف في مجمله عن باحثة غيورة على ماضي العرب وحاضرهم ومستقبلهم المنتظر، تخوض رحلة معرفية إحقاقا للحق والتاريخ. كتاب تتساءل فيه الأميرة مها الفيصل: من سرق من العرب حضارتهم؟ «أمة على رسلها» .. استشراق مضاد قادم من حضارة العرب من الرياض جهاد أبو هاشم الترسل فن أدبي قديم قدم الكتابة نفسها، ففي المعاجم: ترسلفي القراءة، إذا اتأد وتمهل، والترسل والترسيل هو التحقيق بلا عجلة. والترسل بمعنى أنشأ رسالة وأتى بكلامه مرسلا غي مقيد بقافية أو سجع. وفي الاصطلاح شـب عـود المفهوم وشــاع بين الأدباء العرب، في القرنين الرابع والخامس الهجريين، بعد اتساع نطاق تداوله للدلالة على كتابة الرسائل. ورد أقدم ذكر له عند ابن وهب الكاتب، صاحب "الـرهـان في وجوه البيان"، في قوله: "الترسل من: ترسلت، ترسلا وأنا مترسل، كم يقال: توقفت بهم، أتوقف، وأنـا متوقف. ولا يقال ذلـك إلا في من تكرر فعله في الرسائل. أو راسـل يراسل مراسلة، وهو مراسل، وذلك إذا كان هو ومن يراسله قد اشتركا في المراسلة". نفهم من هذا أن الترسل يفيد كتابة الرسائل بكثة، وارتبط ذلك بالدواوين والخلفاء والأمراء والولاة. كان الأمر طبيعيا، فالعرب في حقبة ما قبل الإسلام استخدموا الكتابة، عموما، لأغراض سياسية وتجارية وعسكرية، وندر أن تخرج عن ذلـك لأغــراض أدبية وفنية خالصة. الترسل لم يكن استثناء في ذاك الزمان، فتبادل الرسائل كـان لغايات مـحـددة وأهــداف معينة، ما يجعل "أدب الرسائل" بين الأفـراد، قصد تبادل الأخبار والحديث عن مجريات شؤون حياتهم الخاصة، فنا متأخرا من الناحية الزمنية. تـدريـجـيـا، وبـــالمـــوازاة مع الازدهار الحضاري، مع الأمويين قـبـل أن يـصـل مـــداه مــع بني العباس، بفضل التأليف وحركات الترجمة والنهضة العلمية، توسع مفهوم الترسل، بعد تخصيص المراسلات التقليدية (الرسمية) باسم "ديوان الإنشاء"، وتعددت موضوعات الكتابة ومجالاتها، ما دفع بشهاب الدين محمود بن سليمن الحلبي، في القرن الثامن الهجري، إلى وضع مؤلف حول أدبيات وقواعد الترسل وأصناف الرسائل، بعنوان "حسن التوسل إلى صناعة الترسل". لـكـن تـــحـــرره مـــن الـقـيـود والضوابط الشكلية التي تؤطره تأخر حتى بدايات العصرالحديث، ويعزى ذلك بحسب النقاد إلى خصوصية هـذا النوع الأدبي، فهي -أي الرسالة- مقارنة بأقرب الأنــواع لها (اليوميات والسية مـثـ )، ذاتـيـة أعـمـق مـا تكون الذاتية. فتميزت الرسائل بالعفوية والارتجالية في صياغتها، فتوارد الأفكار فيها عفو الخاطر، للتعبي عن وجدان كاتبها وآرائه ومواقفه، فالمقصد في البدء والمنتهى أن تبلغ من أرسلت إليه، حتى قيل إنها "مرآة لنفسية كل منهم (أي طرفي الرسالة)، وتأريخ لمراحل حاسمة في حياتهم، وسجلا أمينا لثقافتهم". الثابت إذن أن فن الترسل، في الأدب الحديث، هو ما يكتبه إنـسـان إلى آخـر معبا فيه عن شـؤون خاصة أو عامة لا فرق، عمدها سجية الطبع والجبلة بلا تكلف أو تصنع أو تأنق. ويحدث أحيانا أن يتوخى في كتابته البلاغة والفصاحة والبيان، فترتقي حينها لتبلغ مراتب الأدب الرفيع دون اعتبار للمحتوى والمتن. ما أكث الأمثلة، في تاريخ الأفراد وأرشيف الـــدول، عـن فـن الـ سـل، لعل أحدثها ما كشفته، في الفاتح من سبتمب الجاري، دارة الملك عبدالعزيز من وثائق تاريخية، يراوح عمرها نحو قرن من الزمان. تكشف إجـــادة المـلـك الـراحـل لفن الـ سـل بـراعـة وإتـقـان، ففي الوثائق رسائل إلى والده الإمـــام عبدالرحمن الفيصل، وبعض أخواته (مـوضي وحصة والـجـوهـرة)، فضلا عـن تلكم المـوجـهـة إلى المـسـؤولـ في الجهات الحكومية. تـظـهـر مــن الــرســائــل تلك الـجـوانـب الـفـذة مـن شخصية الملك المؤسس، فمعركة البناء والتشييد التي شهدتها الدولة السعودية الحديثة على يده، لم تشغل الرجل عن التواصل مع أصوله (الأب والأخـــوات) سائلا عنهم، مستخبا عـن حالهم، ومطمئنا عن أحوالهم، وهو في عز الانشغال والكفاح من أجل توحيد البلاد، ما يثبت -وهـذه المرة بعيدا عن معترك السياسة- الطباع الفريدة والاستثنائية في شخص الملك عبدالعزيز باني الدولة السعودية الحديثة. تعج الكتب برسائل لمشاهي كشفوا عن جوانب خفية من حياتهم، فقد نش للأديب التشيكي فرانز كافكا كتابين، أحدهم بعنوان "رسائل إلى العائلة والأصدقاء )، وقبل ذلك 1959( " والمحررين نش كتاب حوى رسائل إلى والده هيمان كافكا، بعنوان "رسالة إلى )، نقرأ منه ما يلي: 1919( " والده "أبي العزيز، لقد سألتني أخيا عن سبب كـوني أخشاك وأخـاف منك على الدوام. وكالعادة، لم أكن أستطيع التفكي في إجابة لسواك، وجـزء من ذلـك هو أن الخوضفي تفاصيل سبب الخوف سيقود إلى مزيد من التفاصيل أكث بكثي مم أستطيع التفكي به أثناء الحديث عنه". وخاطب الروسي أنطوان تشيخوف، عملاق القصة القصية، أخــاه الأكـر نيكولاي تشيخوف في إحـدى رسائله، لائما ومعاتبا حين قال: "طالما شكوت إلي من أن الناس لا يفهمونك، إن جوته ونيوتن لم يشكوا من ذلك، وإذا كنت أنت لم تفهم نفسك فليس الناس هـم المـلـومـون. إني أظ ـن أنك رقيق القلب إلى حد الضعف، إنك نبيل بعيد كل البعد عن الأثرة، لا تترد في أن تقتسم مع غيك آخر درهم معك، لا تحسد الناس أو تكرههم لأنك طيب القلب، لكن مشكلتك كي أكـون صريحا معك هي أنك لست مثقفا". وكانت الرسالة آخر ما خطته أنامل الكاتبة الإنجليزية فيجينيا وولف، قبل انتحارها، فكتبت في رسالة إلى زوجها ليونارد وولف: "إني أحس بأني سأجن وليس في مقدوري أن أبقى على ظهر الأرض في هذه الأوقات الرهيبة. أنا أسمع أصواتا فكري في ولا أقــوى عـ حـ عملي، لقد قاومت هذا الشعور، ولكني عاجزة عن الاستمرار في هذا الكفاح. إني مدينة لك بكل ما تمتعت به من سعادة في هذه الحياة، فقد أحسنت إلي كل الإحسان، ولست أستطيع البقاء لأفسد عليك حياتك". ما سبق مجرد عينة من وثائق قــد تـبـدو لأصـحـابـهـا، لحظة تحريرها، مجرد قناة تواصلية بين مرسل ومرسل إليه، قبل أن تنقلب بمـرور الوقت شاهدة وشهيدة على الكاتب والمخاطب وحتى العصر الذي كتبت فيه، ولا سيم إذا كان لصاحبها محل واعتبار خــاص، مثلم هـو حـال رسائل الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود. ما يكتبه إنسان إلى آخر معبرا فيه عن شؤون خاصة أو عامة الترسل .. حين تبدع الذات بسجية بعيدا عن التكلف من الرباط محمد طيفوري العرب في حقبة ما قبل الإسلام استخدمت الكتابة عموما لأغراضسياسية وتجارية وعسكرية وندر أن تخرج عن ذلك لأغراض أدبية وفنية خالصة تعج الكتب برسائل لمشاهير كشفوا عن جوانب خفية من حياتهم. الكتاب يبحث في معنى «الحضارة»، الكلمة العاجزة عن احتواء التجربة البشرية المتنوعة. الحضارات العريقة على مر العصور لم تعرف نفسها على أنها ذات حضارة. فصلا، وهو في أصله 12 يضم الكتاب ورقة كتبتها الأميرة مها الفيصل 12 في مدد زمنية مختلفة. تناقش الأميرة مها الفيصل عددا من الموضوعات بالحجج والبراهين ومنها «التمدن القبلي» تفند الفيصل زعم كثير من مفكري الغرب أن العرب لم يكونوا سوى ناقلين للحضارة الإغريقية الثقافية
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=