aleqt (10918) 2023/09/02

"مـنـغـولـيـا" أرض مترامية الأطراف تمتد على مرمى البصر، عند تجولك فيها ينتابك شعور بـأنـك مهما طـويـت مـن أرضها فإنها لا تنتهي. منغوليا التي تزيد مساحتها على مساحة المملكة المتحدة سبع مــرات، لا تمتلك في المائة 2 من الطرق إلا نحو من إجمالي الطرق الموجودة في بريطانيا. أغلب الدولة مساحات شاسعة مـن الكلأ الـجـاف المتناثر هنا وهناك، ورياح تهب بلا انقطاع. في المائة من 60 وفي دولة لا يزال سكانها يعيشون في الخيام حيث المدن محدودة، فإن جغرافيتها تشعرك بأنك في مسرح لواحدة مـــن الــقــصــص والـــبـــطـــولات الأسطورية. إنها منغوليا أرض جنكيز خان وأحفاده، الذي قضى حياة حافلة كللت بإمبراطورية من أضخم إمبراطوريات التاريخ. لـكـن منغوليا الـتـي بــادت إمبراطوريتها وغابت إلا من كتب الـتـاريـخ، وبـاتـت الـيـوم دولـة مثلها مثل عشرات ومئات الدول حول العالم، لديها لعنة تأبى أن تفارقها، إنها لعنة الموقع الجغرافي. تلك اللعنة لا تعود فقط إلى كونها دولـة حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات، ولا تمتلك أي شاطئ يسمح لسكانها بالاستمتاع بمياه البحر، ولا حتى ما يعنيه ذلـك من استحالة أن تكون لها أساطيل وتجارة بحرية ذات ملامح عالمية أو إقليمية تصب في مصلحة تعزيز قوتها الاقتصادية. لعنة منغوليا الجغرافية أكثر تعقيدا وأشـد وطـأة من ذلك، إنها تقع بين المطرقة الصينية والسندان الـروسي، فبين هذين العملاقين تقف منغوليا تحاول جاهدة التنفس واتخاذ قرارها الاقتصادي المستقل، بالطبع تنجح أحيانا وتفشل أحيانا أخرى، فمنغوليا دولـة تقف دائمـا على حـد السكين، وعليها أن تزن دائما جميع قراراتها الاقتصادية والسياسية بميزان من ذهب حتى لا يغضب عليها أحد العملاقين، فيصب عليها لعنته مرة وإلى الأبد. كيف تحاول منغوليا الانعتاق من لعنة الموقع الـجـغـرافي؟ هـل تنجح في ذلــك؟ أم أنها تعرف الخطوط الحمر التي يجب عدم تجاوزها في دعم علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة حتى لا تغضب العملاقين الروسي والصيني في وقـت تتزايد فيه الاحتكاكات الجيوسياسية بينهما وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن ما الـذي يشجع منغوليا الآن على الانعتاق من محبسها الجغرافي؟ يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور جي. إم براين أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة أكسفورد "ابــحــث أولا عــن المــعــادن. تستحوذ احتياطيات منغوليا المعدنية على اهتمام متزايد على الساحة العالمية، وهي تعتمد على استيراد الكهرباء والوقود وعديد من السلع الأخرى مـن الـصـ ، كـ أنها تبيع معظم إنتاجها المـعـدني للصين. الآن تسعى إلى فـــتـــح أســـــواق جديدة، بل إنها تـرى أن موقعها الـــجـــغـــرافي قد يمثل فرصة ذهبية الآن للحصول على مــزيــد مــن الاهــتــ م والمساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة وأوروبا". لكن مغازلة الولايات المتحدة في وقـــت تتصاعد فـيـه حـدة التوترات بين بكين وواشنطن، وتمويل واشنطن حربا مفتوحة ضد موسكو في أوكرانيا تحمل في طياتها مخاطرة قد لا تحمد عقباها مستقبلا على منغوليا، حيث يظل في الذاكرة استعداد الصين عام لمعاقبة منغوليا بعد أن 2016 رحبت بزيارة الدالاي لاما الزعيم الروحي للتبت، فرفعت الرسوم على منتجات التعدين القادمة من أرض جنكيز خــان، وزادت من المتطلبات البيروقراطية على المعابر الحدودية بين البلدين، بطريقة أقرب إلى إغلاق الحدود بينهما، ما أدى إلى إعاقة عملية نقل السلع بين البلدين. لكن الدكتور جـي. إم براين يقول "خطر نقص المعادن مثل النحاس المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، وأنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يساعد على تقارب الولايات المتحدة ومنغوليا، خاصة في ظـل القلق الأمريكي المـتـزايـد بـشـأن هيمنة الـــصـــ عـــ المــــواد المستخدمة في إنـتـاج الطاقة النظيفة، يضاف إلى ذلك أن التقديرات تشير إلى غنى منغوليا باليورانيوم والـعـنـاصر الأرضــيــة الــنــادرة، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب عـ المـع ـادن المهمة بمـا في ذلـك العناصر الأرضية النادرة والليثيوم والكوبالت بنسبة تصل في المائة خلال العقد 600 إلى المقبل". ويـــضـــيـــف "الناتج المحلي الإجـــــــ لي لمنغوليا قد يتضاعف ثلاث مرات بحلول نهاية العقد المقبل، فهناك منجم النحاس العملاق أويـو تولجوي الذي يقع وسط صحراء جوبي، والمنجم يقع فوق أحد أكبر احتياطيات النحاس والذهب في العالم". مـع هــذا فـاخـ اق منغوليا للحدود الجغرافية التي تعانيها لا يعد يسيرا، فالجار الصيني يراقب من كثب التحركات الاقتصادية بين منغوليا والولايات المتحدة، كما أن واشنطن لا تبدي حتى الآن اندفاعا كبيرا لوضع يدها على ثـروات منغوليا المعدنية، فتقديرات الحكومة المنغولية لحجم تلك الـــ وة في حاجة إلى تدقيق وفحص من شركات المعادن الدولية لمعرفة مدى دقة تلك التقديرات. من جانب آخر تفتقد البلاد بنية تحتية حديثة تساعد على تعظيم استخراج المعادن وتصديرها، إضافة إلى الطابع البيروقراطي لــإدارة في منغوليا والمــوروث عن أعـوام من الحكم الشيوعي المرتبط ارتباطا وثيقا بالاتحاد السوفياتي السابق. لكن هناك معوقات أخرى يجب أخذها في الحسبان. تقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة فكتوريا هاورد أستاذة الجيولوجيا في جامعة لندن "الأكـ أهمية أن تكاليف النقل المرتفعة تجعل معظم إنتاج البلاد مــن المــعــادن غــ قــادر على المنافسة في الأسواق الدولية إذا تـم تصديره عبر طرق أخـرى غير الصين، فموانئ المحيط الهادئ الروسية تقع على بعد أربعة آلاف كيلومتر من مناطق إنتاج الفحم والنحاس في صحراء جوبي الجنوبية في منغوليا، بينما تبعد الحدود كيلومتر 300 الصينية أقـل من عن مناجم منغوليا، وفي بعض المناطق لا تبعد الصين سوى كيلومترا فقط، وحتى مناجم 40 الـفـحـم الـتـي تـقـع في شـ ل منغوليا وهي الأقــرب إلى روسيا، فـإن تكلفة النقل ورسوم الشحن عبر الموانئ الـروسـيـة عـ ساحل المحيط الهادئ تجعل مبيعات الفحم الحراري باهظة التكلفة، وبعض أنـواع الفحم مثل فحم الكوك لـن تفلح في منافسة الفحم الأســ الي مثلا في أسـواق شرق آسيا المتعطشة إلى الطاقة". تجعل الجغرافيا علاقة الصين مع منغوليا علاقة يصعب الفكاك منها، أقرب ما تكون إلى الزواج الكاثوليكي حيث لا يوجد طلاق في 80 بين الشريكين، حيث إن المائة من صادرات منغوليا تذهب في المائة من 60 إلى الصين، و في 40 وارداتها تأتي من هناك، و المائة من الناتج المحلي الإجمالي يعتمد على الصين، وعندما أصيبت الـصـ بالسعال نتيجة وباء كورونا كادت منغوليا أن تختنق، فتراجع الاقتصاد عام في المائة 4.4 بنحو 2021 وبلغت البطالة نحو في المائة، وفي عام 8.8 انخفضت عائدات 2022 التعدين في أول العام بنسبة في المائة من الناتج المحلي 20 الإجمالي. وتتفوق البصمة الاقتصادية الصينية على نظيرتها الروسية في منغوليا، مع هذا يجب عدم الاستهانة بدور روسيا في التأثير في الاقتصاد المنغولي خاصة في المستقبل ومع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا. تــشــ ى منغوليا الكهرباء من روسيا، ما يجعل ملف الطاقة من الملفات الـحـيـويـة بــ الـبـلـديـن، وقـد عارضت روسيا بناء منغوليا سدا ومحطة توليد طاقة كهرومائية على طول نهر أولـدا، بدعوى أن ذلك سيؤثر سلبا في بحيرة بايكال التي تقع على الجانب الروسي من الحدود، وبينما احتجت روسيا على المشروع لأسباب بيئية، فإن منغوليا تعتقد أن السبب الحقيقي وراء معارضة موسكو يكمن في رغبتها في إبقاء منغوليا تحت السيطرة. في المائة 28 تستورد منغوليا من سلعها من روسيا، وتعتمد بشكل كـامـل عــ المنتجات البترولية الروسية، ومع اندلاع الـحـرب الـروسـيـة - الأوكـرانـيـة والعقوبات الدولية تأثر الاقتصاد في منغوليا بالتضخم العالمي، وزيادة تكاليف النقل واضطراب سلاسل الـتـوريـد، ونمــت قيمة في 52 الـواردات البترولية بنحو المـائـة الـعـام المـــاضي، وتأثر احتياطي البلاد من النقد الأجنبي في المائة، 8 بذلك، بنسبة تقارب وانخفضت قيمة العملة المحلية في المائة. 20 التوجروج بنحو ويعتقد أليكس ديـن الخبير الاستثماري أن استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية والعقوبات الغربية على موسكو، سيحدث تغيرا في الأمد الطويل في العلاقة بين روسيا ومنغوليا التي ستشهد مزيدا من المنافسة بين البلدين، ما قد يدفع منغوليا إلى مزيد من التقارب مع الولايات المتحدة. ويقول لـ"الاقتصادية"، "إنه قبل الحرب الروسية - الأوكرانية كان الاتجاه العام للتجارة الروسية يسير في اتجاه استهداف الأسواق الغربية خاصة في موارد الطاقة مثل الفحم والنفط والغاز، وكذلك في المعادن مثل النحاس، الآن المشهد يتغير، فروسيا تستهدف الأسواق الصينية وتخصص مزيدا مـن المـــوارد لتشييد شبكة من البنية التحتية لتيسير تجارتها مع الصين، وهـذا سيوجد منافسة بينها وبـ منغوليا لاستهداف الأســواق الصينية، فعلى سبيل المثال حصتا روسيا ومنغوليا في إجــ لي واردات الصين من 19 كانتا نحو 2021 الفحمفيعام في المائة على التوالي، ومن 11 و ثم احتمالية سعي روسيا لزيادة صادراتها إلى الصين سيصعد من حدة المنافسة مع منغوليا، وهذا قد يدفع منغوليا إلى البحث عن أسواق بديلة ربما تكون الولايات المتحدة وحلفاءها". تبحث منغوليا عن مزيد من العلاقات المربحة مع الولايات المـتـحـدة ضمن م ـا يـعـرف في الأدبيات السياسية بالبحث عن "جار ثالث" في محاولة للانعتاق من لعنة الجغرافيا التي تجعلها مطوقة بروسيا والصين دون أن تكون لها أي منافذ بحرية، إلا أن خطوات منغوليا لا بد أن تتسم بالحذر الشديد والتريث، فمسعى الحكومة المنغولية لتحسين الأوضـــاع الاقتصادية لشعبها وتنويع علاقاتها الاقتصادية الدولية مسعى مـ وع لا جدال فيه، لكنه قد يتحول إلى لعنة تضاف إلى لعنة الجغرافيا إذا غضب ال ـع ـم ـ ق ـان الـــروسي والصيني عليها في وقت تهيمن فيه التوترات والاحـتـكـاكـات العنيفة على المناخ الدولي سياسيا واقتصاديا. 9 NO.10918 ، العدد 2023 سبتمبر 2 هـ، الموافق 1445 صفر 17 السبت اختراق الحدود لا يعد يسيرا وسط مساع للتقارب مع أمريكا لتكون «جارا ثالثا» منغوليا .. جغرافيا معقدة وثرواتكامنة وتنافسصيني - روسي فرصة ذهبية للحصول على مزيد من الاهتمام والمساعدات الاقتصادية من أمريكا وأوروبا منجم النحاس العملاق أويو تولجوي في منغوليا يقع فوق أحد أكبر احتياطيات النحاس والذهب في العالم. من لندن هشام محمود الاقتصاد المنغولي يعتمد على استيراد الكهرباء والوقود وعديد من السلع الأخرى من الصين احتياطيات «أرض جنكيز خان» المعدنية تستحوذ على اهتمام متزايد على الساحة العالمية خطر نقص المعادن يساعد على التقارب مع واشنطن .. غنية باليورانيوم والعناصر النادرة تفتقد بنية تحتية حديثة تعظم استخراج المعادن وتصديرها وسط مساع لفتح أسواق جديدة تكاليف النقل المرتفعة تجعل معظم إنتاج البلاد من المعادن غير قادر على المنافسة الدولية الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المنغولي قد يتضاعف مرات بحلول نهاية 3 العقد المقبل أسواق وأرقام

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=