aleqt: 13-3-2023 (10745)
14 NO.10745 ، العدد 2023 مارس 13 هـ، الموافق 1444 شعبان 21 الإثنين بات من اليقينيات الرائجة في الأوساط العلمية أن قضية التغير المناخي التي صنعها الإنسان بيديه، أضحت تهدد مستقبل الوجود البشري على كوكب الأرض. فالجهود الدولية المبذولة من جـانـب دول استشعرت حجم المسؤولية والمخاطر، وإن نجحت في بلوغ الأهداف الداخلية التي وضعتها من باب المساهمة في التصدي للمشكلة المناخية، يبقى المؤكد، بحسب خـراء البيئة، أن الأمـر ذلك لن يستطيع وقف تغييرات نهائية في النظام البيئي العالمي. تبقى المساعي القائمة حاليا، من قبل المنظم الــدولي، فقط من أجل مواجهة الآثـار الفورية لمشكلة غازات الاحتباس الحراري، الـنـاجـم عــن أســلــوب الحياة الصناعية، أي الحيلولة دون ارتفاع حـرارة الأرض لأكثر من درجتين مئويتين حتى لا تقع الكارثة. فهذا الخيار وحـده ليس كافيا، لمنع أسوأ السيناريوهات لأزمة المناخ. فضلا عن ارتباطه الوثيق بالتداعيات المباشرة للمسألة، دون كبير اهتمام ولا عناية بما قد يتراخى عنها من انعكاسات غير مباشرة. أفــاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية، العام المــاضي، أن العالم بات مجبا على التعاطي مع آثار التغييرات المناخية وفق مستويات مختلفة، فإلى جانب التداعيات الـفـوريـة (المــوت، الأمراض...) تمت تبعات أخرى غير مباشرة على صحة الإنسان ناجمة عن المعضلة المناخية، مثل: نقص التغذية بسبب فشل المحاصيل الزراعية، وانعدام المياه الصالحة للشرب، وانخفاض حجم العائد الزراعي من المحصول، وتراجع مـخـزون الأســـ ك في الأنـهـار والبحار.. ينعكس ذلك بدوره على مستوى دخل الأفـراد، ما يحدث اضطرابات عقلية ونفسية، أو يدفع نحو النزوح والهجرة. ظــاهــرة في تــزايــد مـطـرد، فالطقس المتطرف، وفق منظمة أوكسفام، أحدث تغييرات كبيرة في الخريطة السكانية، إذ تسبب 20 في مـوجـات نـــزوح بمـعـدل مليون شخص سنويا، كما ورد في أحدث تقرير للمنظمة، "كانت الكوارث التي يحفزها المناخ هي المحرك الأول للنزوح الداخلي على العقد الماضي، ما أجب ما يقدر مليون شخص سنويا على 20 بنحو في المائة منهم 80 .. ترك منازلهم يعيشون في آسيا، موطن أكثر من ثلث أفقر سكان العالم". عـ فــرض نجاح الـــدول في تحقيق ما سطرته من أهـداف بشأن التغير المناخي، فذلك لن يغير شيئا فيما يجري حاليا من انعكاسات غير مباشرة في حياة الأفــراد، وعلى المعيش اليومي لهم، لأن الأمر أضحى نهائيا ولا رجعة فيه. فكيف السبيل مثلا إلى استعادة كائنات بحرية انقرضت بفعل التغير المناخي؟ وأي الحلول يمكن اعتمادها لاستعادة الأراضي الزراعية الخصبة المفقودة من جراء التقدم العمراني السريع؟ وكم يلزم من الجهد والتكاليف لتجاوز ما خلفته ظاهرة التصحر في عديد من المناطق في العالم؟ لكل ذلك، بات التفكير في طرق أخرى لمواجهة التغير المناخي، تضاف إلى خيار التقليص من الانبعاثات، ما دفع بهيئات دولية معنية بالمناخ إلى طـرح فكرة التكيف، فالرهان على السعي نحو تثبيت مستوى درجـات الحرارة هــدف عـالمـي. عكس التكيف الذي يرتبط أكثر بالآثار المحلية والإقليمية للمشكلة المناخية، ويتأسس على فلسفة أن البشر من صنع الكارثة، ما يعني أن البشر هم الوحيدون الـقـادرون على إنقاذ أنفسهم منها. شهدت إفريقيا مبكرا محاولة لتجسيد فكرة التكيف، بحلم قديم راود الأفارقة، مع الرئيس البوركينابي توماس سانكارا، في ثمانينيات القرن المـاضي، تمثل في "السور الأخـر العظيم"، الذي صار حقيقة على أرض الواقع بعدما حظي بموافقة ودعم من الاتحاد الإفريقي. وتم الشروع في التنفيذ الفعلي، بدعم من الأمم المتحدة في إطار اتفاقية محاربة ، بعد توقيع 2007 التصحر، في دولة، في 11 المبادرة من طرف منطقة الساحل من السنغال غربا إلى جيبوتيشرقا. يسعى المـــ وع إلى إقامة جدار من الأشجار بطول ثمانية آلاف كيلومتر، يمتد على عرض القارة السمراء، للتصدي لظاهرة التصحر ووقـف زحف الصحراء الكبى جنوبا. وتضع المبادرة من ،2030 ضمن أهدافها، في أفق مليون هكتار 100 إعادة استصلاح مـن الأراضي المـتـدهـورة في منطقة الساحل. هدف يبقى بعيد المنال، في ضوء النتائج المنجزة على أرض الواقع. فنسبة الإنجاز، بحسب تقرير رسمي للمؤسسة في 18 الراعية للمبادرة، لا تتعدى مليون 20 المائة، بعد غرس نحو شجرة في تلك المناطق. معطيات تفيد صعوبة بلوغ الأهداف المسطر موعدها بنهاية العقد الحالي، ما يرجح اتفاق الـــدول عـ وضـع سقف زمني جديد لانتهاء المبادرة، يأخذ في الحسبان تأخر الإنجاز على أرض الواقع. خاصة، مع تحول المبادرة إلى فسيفساء مكونة من عدة مشاريع تكيف حسب الأقاليم والـــدول، مـدارهـا الرئيس هو الحفاظ على الأراضي واستغلالها بشكل مستدام، والإنتاج الزراعي مع تدبير جيد للموارد المائية. كل ذلك يؤكد ما تم ذكره سلفا، من صعوبة إعادة ما تم تدميره من جراء تداعيات المعضلة المناخية. عـ هــذا الأســــاس، يصبح الرهان، وبشكل كلي، على خيار تخفيض الانبعاثات، المحفوف بالمخاطر بشأن صعوبة إجبار الـدول على الالتزام والتنفيذ، لكسب التحدي العالمي دون أي اهتمام بخيار التكييف الذي يتماهى مع السياقات والمناطق والأولـويـات، فضلا عن إتاحته إمكانات كـرى بشأن المراقبة والتتبع وتقييم الأداء، إضافة إلى مــزاوجــتــه في الأهــــداف بين التداعيات المباشرة وغير المباشرة للتغيرات المناخية. خيار استشعرت دول فاعليته مبكرا، ومـن موقع إحساسها بالمسؤولية عن كوكب الأرض، فقامت بمبادرات ذاتية جوهرها فلسفة التكيف، على غرار "مبادرة الـ ق الأوســط الأخــر" التي أطلقتها السعودية، ورفعت التحدي عاليا بإنجاز أكب برنامج تشجير في العالم، قوامه زراعة مليار شـجـرة، مـا سيسهم 50 في تغيير كبير في مناحٍ كثيرة (المناخ، الغطاء النباتي، التنوع البيولوجي...) في منطقة الخليج العربي برمتها. لا بديل عن الرهان المحلي لإنقاذ الكوكب الأزمة المناخية .. مبادرات ذاتية جوهرها فلسفة التكيف يسعى مشروع «السور الأخضر العظيم» إلى إقامة جدار من الأشجار آلاف كيلومتر يمتد على عرض 8 بطول القارة السمراء للتصدي لظاهرة التصحر مليون شجرة. 20 في المائة بعد غرس نحو 18 نسبة الإنجاز لا تتعدى من الرباط محمد طيفوري اختار تحالف غافي للقاحات مرشحا من إفريقيا ليكون رئيسه التنفيذي الجديد. إن تعيين محمد علي بات، وهو أستاذ في جامعة هارفارد، وشغل سابقا منصب وزير الدولة النيجيري للصحة، ومنصب المدير العالمي للصحة والتغذية والسكان في البنك الدولي، خطوة تحظى بترحيب جميع دول جنوب الكرة الأرضية، التي من المؤسف أنها تحظى بتمثيل ناقص في القيادة الصحية العالمية. لكن اختيار بات ليس كافيا لتصحيح هذا الخلل. بحسب إيفيني نسفور، زميل أول في الأصـوات الجديدة في معهد آسبن، هو زميل عالمي في المحيط الأطلسي للمساواة الصحيةفيجامعة جورج واشنطن. فقد لاقى تعيين "بات" إشادة واسعة النطاق، حيث قـال بيل جيتس من مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" في تغريدة لـه، "ليس لـدي أدنى شـك في أنـه سيتخذ من الــدروس التي تعلمها خلال حياته المهنية الرائعة في نيجيريا وفي البنك الدولي مرجعا لضمان حصول الأطفال على اللقاحات المنقذة للحياة". وضـم رئيس مجلس إدارة غافي، خوسيه مانويل باروسو، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبــيــة، صوته لهذا الــرأي، مشيرا إلى أنه يتطلع إلى "العمل من كثب" مع بات، لتعزيز الإنصاف في مجال اللقاحات. وكان باروسو محقا في تسليط الضوء على قضية الإنصاف. فكما ، لا تزال 19 - أظهرت جائحة كوفيد هناك تباينات هائلة فيما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية العالمية، حيث قام بعض الدول ذات الدخل المرتفع بتخزين الموارد المنقذة للحياة، خاصة معدات الوقاية الشخصية واللقاحات. وما وصفته وسائل الإعلام بـ"قومية اللقاح" كان، فيجوهره، أنانية قاتلة، دفع الجنوب العالمي ثمنها. وسـعـى "غـــافي"، إلى جانب الائــتــ ف المـعـنـي بـابـتـكـارات التأهب لمواجهة الأوبئة ومنظمة الصحة العالمية، إلى الحيلولة دون حدوث ذلك من خلال مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد "كوفاكس"، وعـد مبتكرو 19 - "كـوفـاكـس" هــذا الأخـــ الحل العالمي الحقيقي الوحيد لوباء ، والجهد الوحيد الذي 19 - كوفيد بـذل لضمان حصول الناس في جميع أنحاء العالم على اللقاحات، بغض النظر عن ثرواتهم. لكن مستوى "كوفاكس" كان أدنى بكثير مــن هـــذا الـغـرض الأسمى، لأسباب أهمها أنه كان يعكس العقلية الاستعمارية. وأوضحت أيواد ألاكيجا، الرئيسة المشاركة لتحالف توصيل اللقاحات التابع للاتحاد الإفريقي، أن من يقفون وراء "كوفاكس" لم يأتوا إلينا نحن الأفارقة، ليطلبوا منا القيادة، أو ليسألوا شعوبنا عما يريدونه. وكما تفترض ألاكيجيا، فالقيادة مهمة. إذ رغم أن تحقيق أهداف الصحة العالمية يجب أن يكون جهدا جماعيا، إلا أن من يمهد الطريق يمكنه أن يحدث فرقا كبيرا. ولهذا السبب لا يكفي مجرد إشراك أشخاص متنوعي المشارب والتجارب الحية التي اكتسبوها من خلال ممارسة مهامهمفي مبادرات الصحة العالمية، بل يجب منح فرص القيادة لأشخاصشتى. حتى الآن، نادرا ما حدث هذا. واستنادا إلى دراسـة استقصائية منظمة دولية، خلص 198 شملت )50 / 50( تقرير الصحة العالمية في المائة من 83 إلى أن 2020 لـ قادة الصحة العالمية ينحدرون من الـدول ذات الدخل المرتفع، في المائة فقط من 17 التي تمثل سكان الـعـالم. فضلا عن ذلك، في المائة من قادة الصحة 50 فإن العالمية هم من رعايا دولتين فقط، الولايات المتحدة والمملكة في المائة 92 المتحدة. وحصل من قــادة الصحة العالمية على شهاداتهم الأكاديمية في الدول في 8 ذات الدخل المرتفع، والتحق المائة منهم بجامعة "هارفارد". هذا النمط الراسخ يعيق بشدة التقدم في الإنـصـاف في مجال الصحة، بما في ذلك الإنصاف في مجال اللقاحات. ولا شك إذا في أن تعيينشخص إفريقي لقيادة "غافي" خطوة في الاتجاه الصحيح. ويبدو أن بات ملتزم بتعزيز الوصول العادل إلى اللقاحات. ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن تكون إحدى الأولويات الرئيسة هي تأمين تنازل شامل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات ، وكذلك العلاجات 19 - كوفيد والتشخيص. Bill of وكــ تـوضـح منصة بيل أوف هيلث "التي Health أطلقتها كلية الحقوق في جامعة هــارفــارد" فـإن الـقـرار الـــوزاري لمنظمة التجارة العالمية بشأن (تريبس)، الذي TRIPS اتفاقية ،2022 ) اعتمد في حزيران (يونيو لم ينص سوى على تنازل محدود، شمل حـقـوق بـــراءات الاخـــ اع على اللقاحات وبيانات التجارب السريرية المحمية لاستخدامها في إصدار الموافقة التنظيمية. ويجب أن يعمل بات من كثب مع زميله النيجيري والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، لتأمين تنازل واسع النطاق قبل الجائحة المقبلة. إن تــعــزيــز الإنـــصـــاف في اللقاحات سيتطلب أيضا من القادة الأفـارقـة تقليل اعتمادهم على تمويل المانحين لبامج تطعيم الأطفال. إن معدلات الفقر مرتفعة في جميع أنحاء إفريقيا، وتشهد التدفقات المالية غير المشروعة خـارج القارة ارتفاعا مماثلا، ما 89 يؤدي إلى خسارة ما يقرب من مليار دولار من خلال هروب رؤوس الأمـــوال غير المـ وعـة سنويا. يجب أن يمنع القادة في مختلف القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية هذه التدفقات وتخصيص العائدات لتعزيز هـدفي الحد من الفقر والنهوض بالتنمية، بما في ذلك الـرورات الصحية مثل التطعيم. ومن الضوري أيضا أن تضطلع الـــدول ذات الـدخـل المنخفض والمتوسط بـدور أكـر في صنع الــقــرارات في صـنـدوق مكافحة الجائحة الجديد التابع للبنك الدولي. فقد أنشئ الصندوق على وجه التحديد لمساعدة هذه الدول على الاستثمار في قدراتها للوقاية مـن تفشي الأمــــراض المعدية والاستعداد لها والاستجابة لها. ومع ذلك، فإن مركز السيطرة على الأمــراض في إفريقيا -المسؤول عن التنسيق بين الـدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي فيما 55 الــ يتعلق بالوقاية مـن الأمـــراض ومكافحتها- لم يعتمد بعد على أنه ما يسمى الهيئة المنفذة. ومن المؤكد أن الوكالة التي تشرف على في المائة من 16 الأمن الصحي لـ سكان العالم يجب أن تكون قادرة على المشاركة الكاملة في صندوق مكافحة الأوبئة. إن حصول بات علىهذه الفرصة القيادية تجعلني أشعر بالفخر، يختم إيفيني نسفور بصفتي زميلا نيجيريا، وآمل خيرا في مستقبل الصحة في جنوب الكرة الأرضية. لكن لإنهاء العقلية الاستعمارية في قطاع الصحة العالمي وتحقيق عدالة صحية حقيقية، يجب بذل مزيد من الجهود في هذا الصدد. إن استجابتنا الجماعية للجائحة المقبلة تعتمد على ذلك. من أجل تحقيق عدالة صحية حقيقية إنهاء العقلية الاستعمارية في القيادة الصحية العالمية % من قادة الصحة العالمية 83 : تقرير ينحدرون من الدول ذات الدخل % فقط 17 المرتفع التي تمثل من سكان العالم محمد علي بات من الرياض «الاقتصادية» من الضروري أن تضطلع الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بدور أكبر في صنع القرارات. السياسية
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=