aleqt: 05-03-2023 (10737)

5 NO.10737 ، العدد 2023 مارس 5 هـ، الموافق 1444 شعبان 13 الأحد الحرب التجارية العالمية مؤجلة .. المعارك الروسية - الأوكرانية تجبر الجميع على الصمت منذ نهاية الـحـرب العالمية 80 الثانية، أي قبل ما يقرب من عاما تقريبا، اعتمد نمو الاقتصاد العالمي، حتى في أعــوام صراع القطبين والـحـرب الـبـاردة، على الجهود الحثيثة لتعزيز التجارة الدولية بإزالة الحواجز التجارية. كانت الولايات المتحدة بوصفها قائدة الاقتصاد الحر في مقدمة المدافعين عن حرية التجارة وحرية حركة رؤوس الأمـــوال، بالطبع تغير الأمـر في الأعــوام الأربعة التي تولى فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سـدة السلطة، إذ تبنى مواقف اقتصادية وتجارية حمائية، واتخذ عديدا من القيود التي تعيق التبادل التجاري الحر مع أكبر شركاء بلاده التجاريين- الصين والاتحاد الأوروبي. على أي حـال، تغيرت الإدارة ووصل الديمقراطيون إلى البيت الأبيض، وتوقع كثيرون أن يرفع أنصار التجارة الحرة رايات النصر من جديد، إلا أن هذا لم يحدث بالشكل المرجو، وبـات كثيرون يعبرون عن تشككهم في التزام إدارة الرئيس بايدن، بالدفاع عن التجارة الحرة في الواقع العملي، ومع مـرور الوقت باتت الظنون قناعات، وزاد عدد الخبراء الذين يرون أن البيت الأبيض يدافع في العلن عن التجارة الحرة، لكنه يتبنى على أرض الواقع ما يخالف ذلك. لم يشف عالمنا بعد من تبعات جائحة كورونا، والحرب الروسية - الأوكـرانـيـة المتواصلة تزيد الطامة الاقتصادية يوما بعد آخر، ومعدلات التضخم المرتفعة هي الشغل الشاغل للجميع، خاصة محافظي البنوك المركزية، وشبح الركود يحلق حاليا في الأجواء سواء في الولايات المتحدة أو عديد من الاقتصادات الأوروبية، والعجز عن سداد الديون بات خطرا يدق أبواب الاقتصادات الناشئة. في ظل تلك الأوضاع العسيرة، فإن ما كان يناقشهمسا قبل بعضالوقت بات الآن حديثا صاخبا مرتفع الصوت لا لبس فيه. هل حقا تخلت الولايات المتحدة -وفيصمت- عن مناصرتها للتجارة الحرة؟ وهل يمكن أن يكون ذلك بداية لانـدلاع حرب تجارية تضاف إلى المخاطر التي يعانيها الاقتصاد الدولي حاليا؟ خطورة الحروب التجارية تكمن في قدرتها التدميرية، لأن الدول التي تخوض تلك الحروب تميل إلى الانتقام من خلال إقامة حواجز تجارية متزايدة الارتفاع، وفرض تعريفات تميزية على الــواردات. لكن لماذا يزداد القلق لدى بعض الدوائر الاقتصادية الدولية من الموقف الحقيقي للولايات المتحدة من حرية التجارة؟ وهل فعلا تغير الموقف الأمريكي الذي ظل يناصر الحرية التجارية عقودا طوالا. يعتقد الدكتور إيـــدور بوبي أستاذ التجارة الدولية في جامعة كامبريدج، أن الحرب التجارية على نطاق عالمي مستبعدة على الأقل هذا العام، لكن جميع العوامل والظروف مهيأة لاندلاعها بمجرد توقف الحرب الروسية - الأوكرانية. ويـــقـــول في تــ يــحــات لـ 2017 «الاقــتــصــاديــة»، "مـنـذ سحبت إدارة الرئيس الأمريكي الـسـابـق دونــالــد تـرمـب، دعم الولايات المتحدة لمنظمة التجارة العالمية، وبدأت حربا تجارية مع الصين، وفرضت رسوما شاملة عـ مـــواد وسـلـع مهمة، مثل الصلب والألمنيوم، بل إنها لم تقف عند هذا الحد، بل فرضت رسـومـا وضرائـــب جمركية على السلع المستوردة من حلفائها في أوروبـا وبريطانيا. ولحسن الحظ فإن أوروبا لم ترد الصاع صاعين، وامتنع الـركـاء التجاريون للولايات المتحدة عن الرد بـعـنـف، عــ أمـــل أن تقوم الإدارة التالية بإعادة الأمور إلى نصابها، لكن هـــذا لم يحدث". ويضيف قائلا: "إدارة بايدن لم تلغ تدابير إدارة ترمب التجارية، لكن الجميع التزم الصمت بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، ما يجعلني أشك في أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا سيلتزمان الصمت حول تعرضهما للغبن الـتـجـاري مـن الـولايـات المتحدة بمجرد انتهاء الحرب". تربط الدكتورة ماريان آدم، أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة جلاسكو، بـ مخاطر الحرب التجارية من جانب، وما تصفه بالقيود التي تفرض على تحركات رأس المال على المستوى الـدولي من جانب آخر، إذ تقول لـ «الاقتصادية»: "الاستثمارات الدولية تعاقفي الوقت الحالي مع تبني السلطات الأمريكية وحكومات البلدان الأوروبية وبريطانيا حتى الصين قوانين وتدابير لمراجعة الاستثمارات الخارجية تحت ذريعة الأمن القومي". وأكـــــدت أنـــه إذا أخـــذ في الحسبان التداخل الــدولي بين التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية، فإننا نشهد نهجا أكثر صرامة وأقل ترحيبا بالاستثمارات الدولية، وهذا يعطي مؤشرا كبيرا إلى أن التجارة الـحـرة تتعرض الآن لضربات مؤلمة، لكن الحرب الروسية - الأوكرانية تجبر الجميع على التزام الصمت. وتضيف "إدارة الرئيس بايدن وجهت الهيئة التي تجري مراجعات على الاستثمارات الدولية، وهي لجنة الاستثمار الأجنبي في الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة، إلى تـشـديـد عملية التدقيق في الصفقات الأجنبية، خاصة الصينية، وتـحـديـدا في مجال التقنيات المهمة أو تعرض سلاسل التوريد للخطر". مع هـذا، يـرى بعض الخبراء أن المـخ ـاوف مـن انـــدلاع حرب تجارية مخاوف مبالغ فيها، وأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن التجارة الحرة لا يزال قائما، رغم القناعة بتآكل هامش الحرية التجارية الــذي سـاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. من هذا المنطلق، يرى هؤلاء الخبراء أن العولمة كفكرة مرتبطة بالتجارة الحرة لا تزال تتمتع بقبول كبير، وأن ما يحدث ليس تراجعا عن فكرة التجارة الحرة، بل إعادة لتنظيم العولمة ومن ثم التجارة الحرة، وليس التخلي عنها. جسبر بـرودي، الاستشاري في منظمة التجارة العالمية، يعلق لـ «الاقتصادية»، قائلا: "العولمة، ومـن ثم التجارة الحرة وحركة رؤوس الأمواللمتنته، لكنها تأخذ أشكالا جديدة تعتمد أكثر فأكثر على الروابط الإقليمية وصياغة تشكيلات للتكتلات الاقتصادية للقطاعات الحساسة والمهمة، فالتخلي التام عن التجارة الحرة والعولمة أمر ليس قابلا للتحقيق ولا مرغوب فيه بين الشكاء". مـن هنا، يمكن أن نقول إن قطاعا كبيرا من الخبراء يرى أن الـولايـات المتحدة، وباعتبارها الاقتصاد الأكبر في العالم، تخلت عن مسار اتفاقيات التجارة الحرة ذات الطبيعة العالمية، وتركز الآن على آليات التعاون غير التقليدية والمـرنـة، مثل الإطـــــار الاقــتــصــادي لمـنـطـقـة المـحـيـط الهندي والــهــادئ أو الـولايـات المتحدة والاتـحـاد الأوروبي أو مجلس التجارة والتكنولوجيا، ويعكس هـذا تحولا عن المسار الــذي تبنته الـولايـات المتحدة لأعوام بدعم التجارة العالمية على المستوى الدولي. ويعلق لـ «الاقتصادية» رايون مايلز، الباحث الخبير في مجال التجارة الدولية، قائلا: "التحول في الموقفين الأمريكي والعالمي مـن فكرة التجارة الـحـرة يعود إلى تناقص الفائدة والعوائد الاقتصادية من التجارة الحرة، فقد تم تصميم اتفاقيات التجارة الحرة في المقام الأول لخفض التعريفات، وبالفعل ومع مرور الوقت تم الغاؤها أو تخفيضها في الأغلب، وبالتالي فإن نطاق تقديم مزيد من التخفيضات الجمركية محدود. ويضيف "كما أن تحرير التجارة تضمن معالجة التدابير غير الجمركية، مثل القواعد واللوائح والمعايير، وهذا أيضا وصل إلى حـده الأقــى، ومـن ثم لم تعد هناك فائدة كبيرة من وجهة نظر واشنطن يمكن أن تجنى من التجارة الحرة، أضف إلى ذلك تقلصشعبية مفاهيم التجارة الحرة في الولايات المتحدة نتيجة تأثيرها في الوظائف في بعض القطاعات الاقتصادية". وأشـار إلى أن مشكلة الولايات المتحدة هـي أنها تدير ظهرها للتجارة الحرة، في وقت لا تزال فيه الصين والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حرصاء على المضي قدما والدفاع عن التجارة الحرة، لذلك يبحث الجميع عن حل وسط وهو التحرك لتعميق التعاون الإقليمي والـراكـة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. مع هذا، يعتقد البعض أن تلك النظرة على الرغم من صحتها نظرة جزئية لا تتصف بالشمول ولا تكشف عن المخاطر الحقيقية التي تتعرض لها التجارة الدولية، التي تبرز في حالة الاحتقان المتزايد في العلاقات التجارية بين الأطـــــراف الرئيسة في المــنــظــومــة الاقـتـصـاديـة الـعـالمـيـة، وه ـي: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، فـعـ قـات التعاون الـتـجـاري بـ ضفتي الأطلسي تتعرض لضغوط ومشكلات كثيرة حتى قبل انـدلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ يبدو وجود خلاف في وجـهـات النظر فيما يتعلق بأفضل السبل للتعامل مع الصين، وزاد الأمر حدة في الفترة الأخيرة عندما تعلق الأمر بالطاقة الخضراء والسياسة الصناعية في الولايات المتحدة. وقانون التضخم الأمريكي، الذي أقرته إدارة الرئيس بايدن، وينص عـ استثمار مبلغ غـ مسبوق مليار دولار في جهود 369 قـدره المناخ الأمريكي والطاقة النظيفة، أثار مخاوف الأوروبيين، وتحديدا الفرنسيين، بشأن القدرة التنافسية الصناعية بـ بـلـدان الاتـحـاد الأوروبي من جانب، والـولايـات المتحدة من جانب آخر. ويعلق لـ «الاقتصادية» صامويل باركر، الباحث في مجال التعاون الاقتصادي الدولي، قائلا: "هناك صيغ جديدة للتعاون الــدولي.. النظرة القاتمة في الوقت الراهن لمستقبل التجارة الحرة لا تنفي أنه في الأجل القصير سيسود التعاون الوثيق بين ضفتي الأطلسي رغم الاحتكاكات الدائمة بين الطرفين، ومن المرجح أن تتراجع اضطرابات سلاسل التوريد هذا العام والعام المقبل، خاصة بعد حل مشكلة ازدحـــام المـوانـئ في الـولايـات المـتـحـدة والــصــ ، وانخفاض تكاليف الشحن إلىمستويات ما قبل الوباء".ويضيف "ما يمكن الجزم به الآن، هو أن الـولايـات المتحدة ربما لم تعد في مقدمة صفوف المدافعين عن التجارة الحرة على الأقل في التطبيق العملي، لكنها ستظل مدافعا عن تعاون أكبر لبناء نظام تجاري أكثر شمولا واستدامة ومرونة لدفع النمو الاقتصادي ولتفادي الركود" «رويترز» مخاوف من بداية اندلاع حرب تجارية تضاف إلى المخاطر التي يعانيها الاقتصاد الدولي حاليا. واشنطن تتخلى عن مناصرتها للتجارة الحرة وتسعى إلى بناء نظام أكثر شمولا واستدامة من لندن هشام محمود خطورة الحروب التجارية تكمن في قدرتها التدميرية مع الميل إلى الانتقام بتدشين حواجز متزايدة الارتفاع الولايات المتحدة اتخذت عديدا من القيود تعيق عمليات التبادل الحر مع أكبر الشركاء التجاريين الشكوك تتزايد بشأن دفاع البيت الأبيض في العلن عن التجارة الحرة واتباعه ما يخالف ذلك على الأرض الاستثمارات الدولية تتم إعاقتها مع تبني كبار الشركاء الغربيين تدابير مراجعة تحت ذريعة الأمن القومي النظرة القاتمة لمستقبل التجارة لا تنفي تعاونا وثيقا مرتقبا بين ضفتي الأطلسي وتراجع لاضطرابات التوريد أسواق وأرقام

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=