aleqt: 27-02-2023 (10731)
الرأي تمثل التكنولوجيا المحرك الثالث للتحول البنيوي اليوم. كما وثق ديفيد أوتور وآخرون، حتى قبل الاختراقات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي، كانت التكنولوجيا الرقمية تعمل على إزالة الوظائف الروتينية «القابلة للتدوين» متوسطة الدخل في الأساس من الاقتصاد. » 2 من 2 في التصدي للارتباكات البنيوية « بطبيعة الحال، يحتدم الجدال حول التجارة مع الصين، خصوصا في الولايات المتحدة، خاصة بسبب ادعاءات انتهاك الصين قواعد منظمة التجارة العالمية. لكن هذا ليس أكثر من تشتيت للانتباه. لا شك أن هناك حالات عديدة لإخفاق الدول النامية في الامتثال الصارم لقواعد منظمة التجارة العالمية. لكن التأثيرات البنيوية والتوزيعية المترتبة على التجارة لا تعتمد على امتثال الدولة لقواعد منظمة التجار العالمية بقدر ما تعتمد على المرحلة التي تمر بها من التطور، وحجم التجارة، ومزاياها النسبية. عكست شـدة ما تسمى صدمة الصين في الولايات المتحدة سرعتها وحجمها. كان خطأ صناع السياسات متمثلا في تكريس قدر ضئيل من الاهتمام نسبيا لتعديل سرعة التحول أو دعم أولئك المتضررين بالتعديل البنيوي. لكن الحديث عن إبطاء وتيرة التغير البنيوي أسهل من تنفيذ ذلك على أرض الواقع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحول الأخضر ـ وهذا محرك رئيس آخر للتغير البنيوي اليوم. كانت عقود من التقاعس عن العمل تعني أن التخفيضات السريعة في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي أصبحت الآنضرورة ملحة. لكن هذا بدأ يوجد بالفعل ارتباكات كبرى، فضلا عن تداعيات توزيعية خطيرة. فمع نمو هذه التأثيرات، تتنامى أيضا المقاومة للمبادرات الضرورية. تمثل التكنولوجيا المحرك الثالث للتحول البنيوي اليوم. كما وثـق ديفيد أوتور وآخرون، حتى قبل الاخــ اقــات الأخـــ ة في الـذكـاء الاصطناعي، كانت التكنولوجيا الرقمية تعمل على إزالة الوظائف الروتينية "القابلة للتدوين" متوسطة الدخل في الأســاس من الاقتصاد، مـا أدى إلى استقطاب الوظائف والـدخـل. ومـن الممكن ملاحظة هـذه الظاهرة في كل الاقتصادات المتقدمة. ما يزيد التحدي تعقيدا في الولايات المتحدة أن نمو الإنتاجية انتقل إلى مسار مــزدوج. كما ذكـرت أخـ ا أنا وبيليندا أزينوي، عملت الاختراقات في مجال التعلم الآلي على تمكين الإنتاجية من النمو السريع فيما يسميه أهل التكنولوجيا "الطبقة الأساسية" في الاقتصاد ـ حيث تجري معالجة وتخزين المعلومات والوصول إليها، واستخدامها، وأيـن تحدث المعاملات وتتخذ القرارات. لكن في "طبقة الذرات"، حيث يحدث النشاط الاقتصادي المادي، يكون نمو الإنتاجية مختلطا ـ أعلى في البيئات ذات البنية المنظمة مثل التصنيع واللوجستيات، والأدنىفي أماكن أخرى، بما في ذلك قطاعات تشغيل العمالة الضخمة مثل الضيافة. إذا استمرت هذه الاتجاهات -وتقاعسصناع السياسات- فستستمر الفجوة في الإنتاجية والدخل في الاتساع. بعنوان "فخ تورينج" 2022 في مقال نـشـر ، اقترح إريك برينجولفسون The Turing Trap أن أجندة أبحاث الذكاء الاصطناعي تركز بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي الشبيه بذكاء البشر، وهو ما يحفزه اختبار تورينج الشهير، هل يستطيع شخص يتفاعل مع آلة تحديد ما إذا كانت آلة؟ من الواضح أن هذا المعيار أفضى إلى تقدم مذهل. لكن برينجولفسون يزعم أنه يجب أن يستكمل بأجندة تعزيز آلي جيدة التمويل وأكـ عدوانية. يجب أن يكون هدف تطوير المركبات شبه المستقلة مصحوبا بدفـعة نحو تعزيز إنتاجية مجموعة واسعة من وظائف قطاع الخدمات. خاص بـ «الاقتصادية» .2023 ، بروجيكت سنديكيت مستقبل الطاقة والحكمة السعودية ذكرت في المقال السابق أن الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، تعرض خلال العقد الأخير إلى حملة شرسة وممنهجة من مطبخ سياسي واحد لتقويض صناعة النفط والاستثمار فيه، وأن هـذه الحملة تستند إلى ذرائـع متعددة لتحقيق أهدافها. وضحت أن الذريعة الأكثر جذبا للتعاطف ولإضفاء مصداقية وزخما لهذه الحملة، هي البيئة والمحافظة عليها من التلوث والاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي قد يغرق مدنا كاملة، وسيؤدي -بحسب زعمهم- إلى شح للمياه وكوارث لا تعد ولا تحصى. السؤال العريض الـذي يستحق التمعن بعيدا عن الأجندات السياسية الضيقة، والمصالح الشخصية الصرفة التي لا تصب في مصلحة أمن الطاقة العالمي، السؤال هو: هل من الحكمة والمنطق أن يتم حل مشكلة ما بإيجاد مشكلة أكبر وأقوى أثرا وتأثيرا؟ استشراف المستقبل ليس ترفا فكريا، ولا علما هامشيا، بل صناعة دقيقة ومعقدة تجيدها السعودية وتمارسها بحصافة وموثوقية والتزام، حيث إن استشراف المستقبل خليط من الماضي وخبراته المتراكمة والمعلومات المستخلصة منه للموضوع أو الظاهرة، محل الدراسة، والحاضر بمعطياته وأدواتـه المتاحة. عند استشراف المستقبل لا يمكن إغفال جانب الاحتمالات المبنية على مدخلات دقيقة، وخبرات متراكمة تجيد قراءة المؤشرات المرتبطة بالموضوع أو الظاهرة، محل الدراسة، وقطاع الطاقة بأقسامه المختلفة يجري عليه ما يجري على غيره، فاستشراف مستقبله -في اعتقادي- يجب أن يكون رأس قائمة الأولويات العالمية، لكون ذلكضرورة ملحة لجميع المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وعلى المستويين الداخلي والخارجي كذلك. الطاقة قلب التنمية النابض، وشريان الصناعة الرئيس، ولا يمكن أن تتحقق المدنية في معزل عن إمدادات مستقرة وآمنة للطاقة. محاولة التقليل من أهمية الوقود الأحفوري من بعض الجهات والدول، وعلى رأسه النفط، والسعي الحثيث إلى تقويض صناعته -في اعتقادي- خطأ وخطر استراتيجي بمنزلة طريقسريع نحو فقر مدقع للطاقة لن يسلم كثير من تبعاته. وبكل حياد وإنصاف عندما نتناول موضوع الطاقة أو مستقبلها، فلا يمكن أبدا تجاوز السعودية ودورها الرئيس والقيادي دائما، حيث إن السعودية كانت وما زالت تعمل بكل مسؤولية نحو استقرار أسواق النفط العالمية، وتسعى دائما إلى توازنها واستقرار أسعارها عند مناطق معتدلة تخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء. السعودية تستشرف مستقبل الطاقة بحكمة وبحصافة، وتعي تماما أهمية تنويع مصادر الطاقة، ومنها بلا شك الطاقة المتجددة، حيث تقوم بالفعل بجهد كبير وتستثمر أموالا طائلة في هذا القطاع. تتعاطى السعودية مع ملف الطاقة العالمي وعلى الصعيد الداخلي بتوازن، فهي تعي يقينا أن النفط سيبقى متربعا على عرش مصادر الطاقة، وتعي كذلك أهميته التي ليست حكرا على الطاقة وحسب، فمنه منتجات وتطبيقات كثيرة تدخل في صناعة كل شيء حولنا تقريبا. تنويع مصادر الطاقة يحافظ على ثروة الوقود الأحفوري الناضب، على المستويين الداخلي والخارجي كذلك، وإضافة شرايـ جديدة إلى الطاقة العالمية ستسهم -بلا شك- في مواكبة النمو السكاني والصناعي العالمي. حكمة السعودية تتجلى في تعاملها مع هذا الملف الاستراتيجي التي تنطلق -في رأيي- من معرفة أن العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية، وأن الوصول إلى مزيج أمثل للطاقة هو الحل الأجدى للعالم برمته، برفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة، لا بمحاربتها والإخلال بمنظومتها، وتهميش بعض مصادرها. الابتكار .. تقنيات إلكترونية رقمية مطورة أحدثت التقنية الرقمية، ثورة كبرى، خلال العقد الأخير، في كل فضاء من فضاءاتنا البشرية، وجعلت حياتنا أسهل وأكثر ملاءمة وراحة وأفضل دقة ومتعة، نتيجة كل هذه التطورات المتسارعة التي شملت فضاءات الاتصالاتوالمعلوماتوالشمول المالي والوصول إلى التجارة والخدمات العامة، وأماكن العمل والترفيه والسفر والسياحة والخدمات المصرفية والتسوق، وتجاوزتها للمجالات الدفاعية، وصولا إلى أنظمة وأجهزة وموارد رقمية لبناء البيانات أو تخزينها أو معالجتها، ومثل ما نشاهده اليوم في قطاعات شتى مثل وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة والهواتف الذكية المحمولة، وكذلك مجالات الألعاب الرقمية، العادية أو تلك التي تكون من خلال وعبر الشبكة المعلوماتية العالمية، "شبكة الإنترنت"، التي باتت اليوم أسهل وأكثر قدرة على الحركة من أي وقت سابق، بحيث أضحت الأجهزة متعددة المواصفات والقدرات ممكنة بفضل التطورات التقنية والإلكترونية الحديثة، وباتت أجهزة الحاسبات المكتبية والمحمولة بمختلف أنواعها، أسرع وأدق وأكثر قوة مما كانت عليه في الأزمنة السابقة! وللتقنيات الرقمية، تأثيرات كبيرة جدا وقيمة أكبر وفي الغالب تكون في غاية الأهمية لكل صناعة من الصناعات القادرة على الإنتاج بسرعة أكبر وفاعلية أشمل وكفاية أعظم وأمان ودقة لا مثيل لهما، حيث تكمن التأثيرات الثلاثة المحورية لهذه التقنيات في القطاع الصناعي، وفي زيادة الإنتاج، وفي إعادة هيكلة سلسلة التوريدات الضخمة، التي سبق أن تطرقت إليها في مقالات سابقة وذكرت بعضا من الأمثلة لهذه النماذج والتقنيات الرقمية في هذا السياق، من ذلك على سبيل المثال، الكائنات الروبوتية، البطاريات الكهربائية، الأطباق الطائرة، وصناعة الألعاب الرقمية، ولعلي اليوم أتحدث عن تقنية ابتكارية جديدة ظهرت وبشكل قوي على أرض الواقع، وهي نوع من أنواع التقنيات الرقمية التي تعتمد وبشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، وأظهرت بل أكـدت لنا أن المستقبل التقني وعالم الابتكارات يخبئ لنا كثيرا من المفاجآت، هذا النوع من التقنيات هو التقنية الروبوتية للمحادثات الفورية، أطلق عليها اسم "شات جي بي تي" تم تصميمها بوساطة باحثين وعلماء في أحد مختبرات الذكاء الاصطناعي في شركة أوبن أيه آي الأمريكية. ولا شك أن هناك ثورة ابتكارية تقنية إلكترونية ورقمية مقبلة، في ظل الدعم والتنافس في منظومة البحث والتطوير والابتكار التي نشاهدها بين الدول. على سبيل المثال، تمكنت مجموعة من العلماء والباحثين في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، أخيرا، من تطوير ترانزيستور ينقل المعلومات عن طريق الضوء بمعدل الاتو ثانية "وحدة زمنية تخضع إلى نظام الوحدات الدولي"، وهو يعد الأول والأسرع من نوعه على مستوى العالم، وغيرها من الابتكارات الرقمية المتطورة التي بتطبيقها عمليا ستحدث نقلة نوعية في عالم الاتصالات عموما، ما سيزيد من القدرة على إرسال كميات ضخمة من البيانات وبسرعات عالية وبدقة متناهية. ومـن الأمثلة كذلك، عمل الباحثون في مختبراتشركة أوبن أيه آي وشركائهم، مثلشركة مايكروسوفت التي تعد الشريك والمستثمر الرئيس، على تطوير روبوت للمحادثة الفورية يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث ، أعلنت الشركة تطويرها نموذج 2020 في "جي بي تي"، وهو نموذج لغوي تم تدريبه على مجموعات من البيانات من شبكة الإنترنت "ضخمة جدا"، بحيث يكون الهدف منه التوصل إلى الإجابات وبشكل سريع جدا عن أي أسئلة طبيعية، إضافة إلى بعض المزايا الأخرى مثل إمكانية الترجمة بين اللغات، والقدرة على إنشاء النصوص المرتجلة وتكون بشكل مترابط، وفي ، أعلنت الشركة روبوت المحادثة 2022 أواخر الجديد، القائم علىنموذج جي بيتي، ويعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، واستخدام تقنية تعلم الآلة العميق، واستخدام شبكات العصب الاصطناعي العميقة، وحقق ما يقارب مليون مستخدم بعد إطلاقه بفترة قصيرة 100 جـدا، على الرغم من امتلاكه مجرد واجهة بسيطة ووجود شريط نصيفي الأسفل يمكن المستخدم من الكتابة لأي طلب وبحث "نصي" يريده، إلا أن ما يميز هذه التقنية عن بقية التقنيات المشابهة، مثل أليكسا المساعد الصوتي لـ"أمازون"، وسيري المساعد الصوتي لشركة أبل، هو التفاعل مع المستخدمين بطريقة طبيعية وسلسة والحصول على الإجابات لجميع الاستفسارات في أي من المجالات باختلافاتها سواء كانت عامة أو متخصصة، وبشكل سريع وفوري وبدقه عالية في كثير من الأحيان، من خلال عمليات التحليل التي يقوم بها آليا وفهمه محتوى النصوص والرد عليها بطريقة ذكية، مع العلم أنه تم طرح نسختين من هذا البرنامج، الأولى مجانية محددة بأعداد المستخدمين، ما يسبب في زيــادة فـ ة الانتظار للسماح باستخدامه عند كثرة أعداد المستخدمين عن العدد المحدد، والنسخة الأخرى بتكلفة شهرية دولارا، وهي غير محدودة بأعداد 20 نحو الـ معينة من المستخدمين، الجدير بالذكر أن قيمة الشركة تضاعفت خلال العامين الماضيين وتتوقع عوائد بقيمة مليارات الدولارات خلال .2024 وأولــت المملكة اهتماما كبيرا بمنظومة البحث والتطوير والابتكار سواء كانت المدنية منها أو الدفاعية، ومن ذلك قطاع الاتصالات والتحول الرقمي ودعمته بعديد من المبادرات والبرامج وجعلته من مستهدفات رؤية المملكة ، وأرى أن توجيه المراكز البحثية في 2030 الجامعات والهيئات المعينة ومراكز ريادة الأعــ ل إلى مثل هـذه التقنيات الابتكارية بخطط مدروسة وواضحة، سيحقق كثيرا من العوائد الاستثمارية، والتطلعات الاستراتيجية التنافسية والريادية، ويحقق مستوى أعلى من جودة الحياة ورفاهيتها، وسيظهر أثر ذلك من خلال الإسهام في إيجاد اقتصاد معرفي متين مبني على البحث والتطوير والابتكارات التقنية النوعية المتجددة. لا شك أن هناك ثورة ابتكارية تقنية إلكترونية ورقمية مقبلة، في ظل الدعم والتنافس في منظومة البحث والتطوير والابتكار التي نشاهدها بين الدول. على سبيل المثال، تمكنت مجموعة من العلماء والباحثين في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، أخيرا، من تطوير ترانزيستور ينقل المعلومات عن طريق الضوء بمعدل الاتو ثانية «وحدة زمنية تخضع إلى نظام الوحدات الدولي»، وهو يعد الأول والأسرع من نوعه على مستوى العالم، وغيرها من الابتكارات الرقمية المتطورة التي بتطبيقها عمليا ستحدث نقلة نوعية في عالم الاتصالات عموما. NO.10731 ، العدد 2023 فبراير 27 هـ، الموافق 1444 شعبان 7 الإثنين 11 1987 أسسها سنة الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز جريدة العرب الاقتصادية الدولية www.aleqt.com 1992 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير عبدالرحمن بن عبدالله المنصور مساعدو رئيس التحرير عبدالله البصيلي سلطان العوبثاني حسين مطر مديرا التحرير علي المقبلي أحمد العبكي المراسلات باسم رئيس التحرير edit@aleqt.com أ. د. محمد العسيري * أستاذ وباحثفي الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية مايكل سبنس * حائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد ـ أستاذ الاقتصاد الفخري، عميد كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال سابقا ـ جامعة ستانفورد م. عبدالرحمن النمري * مختصفي شؤون النفط
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=