aleqt: 22-02-2023 (10726)

حين يهيم الفؤاد بحب الوطن، يزهر الشعر ألوانا من الجمال المتدفق، تعبيرا عن فخر الانتماء، وعشقا يسكن القلوب، وينمو مع مرور الزمن، ذلك هو الشعر السعوديفي يوم تأسيس مملكة لا تغرب عنها شمس النهضة ولا يغادر أرضها الفرح وتجديد الرؤية نحو مستقبل زاهر، فلا راد لهيام الشاعر بوطنه، يقول علي الحازمي في قصيدة بعنوان "أجمل وطن": وما منيتي إلا الحياة بقربه دعوني فقد هام الفؤاد بحبه وكل بني الإسلام تحدو لصوبه ‍ فليس له بين البلاد مشابه ومع كل هذا العشق للوطن، لم يكن الشعر السعودي مجرد لون أدبي يعبر عن المشاعر أو المفاخر، وإنما شكل جزءا من الهوية العربية والدينية والوطنية والإنسانية للأمة السعودية في أبهى صورها وأجل معانيها، فقد ضم مدونة ضخمة من القصائد المعبرة عن الهوية السعودية، ومنها قصيدة "أنا السعودي" للشاعر الأمير خالد الفيصل، افتتحها بقوله: أنا السعودي رايتي رمز الإسلام وأنا العرب وأصل العروبة بلادي الناس تشهد لي ويشهد جهادي وأنا سليل المجد من بدء الأيام ولذلك لم يكن غريبا أن يخلد الشعر السعودي مفاخر المملكة العربية السعودية وأمجادها منذ أسست الدرعية على يد مانع المريدي للميلاد، ليستمر وهج الشعر مشرقا بجماليات ١٤٤٦ للهجرة ٨٥٠ عام الانتماء لهذا البلد المعطاء، لا سيما بعد تأسيس الدولة السعودية الأولى منذ ثلاثة قرون عريقة على يد الإمام محمد بن سعود، قال سلطان السبهان في قصيدة له بعنوان "نجمة التأسيس" بث فيها مشاعر الحب والانتماء لهذا الوطن الغالي، وصور رحلة تأسيس هذا الكيان انطلاقا من المدينة الدولة الدرعية: قد أومضت لك نجمة التأسيس ناداك من وادي حنيفة نخله من عهد طسم عمرت وجديس عربية الأنساب عالية السنا لاحت لمانع وهو صقر عروبة لم تحظ قبل كفوفه بمسيس درعية في درعها مذ طهرت لم تخترقها نية التدنيس ولم يعد الشاعر السعودي هذا التوجه الإبداعي ترفا أدبيا أو حدثا ظرفيا مؤقتا، بل رآه واجبا وطنيا، يعكس حبا صادقا لقيادته، فهو لا يمدح بقدر ما يعتذر عن التقصير، إيمانا منه بأن الوطن يستحق أكثر وأكثر، ومن ذلك غازي القصيبي عندما خاطب الملك الهمام عبدالعزيز رحمه الله، في قصيدة بعنوان "أغنية للفارس والوطن" افتتحها بقوله: وهز بندك يسمع خفقه الظفر أسرج حصانك قرن الشمس ينتظر عذب كما سال في قلب الظما المطر تنفست لهفة الصحراء عن نبأ ثم اختتمها بالاعتذار في إشارة بليغة إلى أن الشعراء مهما عبروا عن تغنيهم بالوطن وقيادته، تظل القصيدة قاصرة عن الوفاء، فيكون العمل أبلغ من القول في الدفاع عن حوزة الوطن بالسنان كما اللسان: بها تظل عيون الشعر تفتخر عبد العزيز نظمت الفخر ملحمة ما جئت أمدح لكن جئت أعتذر وجئت أحمل أبياتي على خجل وقد أبدع الشعر السعودي أروع القصائد في التغني بأرض الفداء النابعة من قداسة البقعة الطاهرة، التي تستحق من الإنسان أن يفديها بالغالي والنفيس، كما قال حسين عرب: حرم على من رام أن يتصيدا شبه الجزيرة أرضها وسماؤها أفدي بنفسي المفتدي والمفتدى أرض الفداء ومهده وغراسه وهي المعاني التي تحضر في جل قصائد التغني بالوطن، كما في قصيدة الأمير عبدالله الفيصل: بأعز ما جادت به نعم الحياه أفديك يا وطني إذا عز الفدا إلا هواك يظل مرفوعا لواه كل الوجود وما احتواه إلى الفنا ويجود الشاعر بالروح ونور العين فداء وطنه، ومن ذلك قصيدة "بلادي" لطاهر زمخشري: لنور يشع من المسجدين بلادي فداؤك روح وعيني تجاوزت بالمجد أقصى المدى بلادي بلادي بلاد الهدى هكذا، تمثل جماليات الانتماء للوطن اتجاها في الإبداع الشعري السعودي يرصد موضوعه عشق الوطن ويتغنى بمفاخره وأمجاده، ويعبر عن الشوق إلى أهله والحنين إلى ديـاره ومعالمه، والوفاء لقياداته لما بذلوه في بناء الوطن وارتقائه، منذ التأسيس ومرورا بالتوحيد وانتهاء بالنهضة الشاملة التي تنعم في رحابها المملكة العربية السعودية وتبشر بمزيد من المجد والعلا. يقول علي الدميني: ونافحت عن بطحائه من يقاتله ولي وطن قاسمته فتنة الهوى إن التغني بالوطن ورموزه، لم يكن وليد ظروف جديدة في عصرنا، وإنما هو اتجاه أصيل في الإبداع السعودي، فكثير من الشعراء قبل الإسلام وبعده، كانوا لسان قبائلهمفيهذه الأرضالمباركة، يدافعون عن مجد آبائهم بالكلمة الصادقة، فكانت قصائدهم تكتببماء الذهب اعترافا بما فيها من معاني الفخر بالانتماء لقيم الجماعة، لتكون تلك القصائد في تلك الأزمنة بمنزلة النشيد الوطني بلغة عصرنا، واليوم إذ نستحضرفي ذكرى تأسيس المملكة هذه المعاني، فإنما نروم بث روح الحماس الوطني وترسيخ قيم الوفاء للقيادة الحكيمة التي رفعت رأس الوطن عاليا في كل المجالات، ومنحت الإنسان السعودي قيمة عليا جعلته لا يتردد في البوح بمشاعر المحبة لهذه القيادة الرشيدة، حيث نجد لهذه المحبة صدى بارزا في الشعر السعودي، فهذا عبدالله بن خميس يبوح بمشاعره معبرا عما في نفسه ونفوس أبناء هذا الوطن تجاه حكامهم الأماجد: لدن رفع الشيخ الوقور نداءه تبناه من آل السعود الأماجد فآزره آل السعود ولم ينوا بأني للدين الحنيف مجدد فأرسوا على أرض الجزيرة دولة لإعلاء دين الله أبلوا وشيدوا فمن هاهنا سادوا ومن هاهنا علوا يحوط حماها مصحف ومهند ومن هاهنا تاج العلى كان يعقد ومن هاهنا شوس الملوك تتابعوا ويطالعنا محمد إبراهيم يعقوب بأبيات مصورا مجد هذا الوطن، ويتغنى برموزه : أنا السعودي رددت النشيد هوى في المجد جذري وفي العلياء سنبلتي سلمان هذا العلو الرحبفي لغتي به الكنايات زهوا خارج اللغة ولذلك فـإن موقف المثقف السعودي من ثقافته الوطنية وثوابت أمته وقيادته الحكيمة، يصدر في الشعر السعودي بعفوية وتلقائية معبرا عن صدق الموقف وثباته، وهو ما نلمسه بوضوح في شعر كثير من رموز الحركة الإبداعية والفكرية في السعودية، ومنهم غازي القصيبي مخاطبا الوطن: كـــــــأني إذا مــــا لثمتــــــــــــك ألثم راحة أمي .. وجبهة ابــــــني وهو معنى بديع يحيل على ربط الماضي بالمستقبل، في إشارة إلى الأم بوصفها الأصل، والابن باعتباره الامتداد، وهي أجمل معاني الوفاء للوطن وأرقاها، ترجمها سيل منهمر من القصائد الوطنية، فاستحق الشعر السعودي أن يكتب بماء العيون وليس بماء الذهب، فالعين التي تحرس الوطن لا تمسها النار، كما وردفي الحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرسفي سبيل الله"، وحراسة الوطن بالدفاع عن أمجاده ورموزه وأعلامه، من علامات البر ودلائل السعادة والحبور فرحا بسلامة الأوطان وعلو شأنها بين الدول، نهضة شاملة ورؤية مستنيرة، يقول جاسم الصحيح: أنا والذين على ثغورك عسكروا سيان يصهرنا بك الإيمان فأخي على ثغر القتال مرابط حيث الرباط قنابل ودخان تحميك حين يخونك الغربان وأنا على ثغر الجمال قصيدة ولعلي أختم هذا التطواف في الشعر السعودي الأصيل ذي الماضي العريق والحاضر الحي بأبيات للشاعر عبدالله بن إدريس أحد أعلام الشعر السعودي في قصيدة له بعنوان " الرياض – سلمان"، ومنها: إذ كلها وطن بالله وحدها عبدالعزيز كيانا حقق الحلما وجه الرياض مضيء في الظلام لنا ووجه سلمان دوما يطرد الظلما وختاما يمكن القول إن الشعر السعودي نجح في كشف الصلات العميقة التي تجمع الشعب السعودي بقيادته الرشيدة، في مظهر من مظاهر العزة والشهامة، لا سيما ونحن نستلهمه في ذكرى تأسيس المملكة التي تشكل مناسبة لتجديد العهد، وترسيخ الوفاء للمجد، وعقد العزم على السير قدما في اتجاه المستقبل المتجدد، والمستنير برؤية حكيمة تبشر بكل جديد ومبهج وسعيد. من الرياض حسن القرني الشعر السعودي في ذكرى التأسيس .. وثيقة المجد وتجديد العهد يحظى الشعر بمكانة مرموقة في المجتمع السعودي، وذلك لعوامل تاريخية عريقة تعود لما قبل الإسلام، فالشعر ديوان العرب وسجل مفاخرهم وأخبارهم، ومن ثم فإن إطلاق المملكة العربية السعودية يحمل دلالات عميقة 2030 عام الشعر تنسجم مع ثقافة المملكة وأصالتها، كما يعبر أيضا عن طموح المجتمع السعودي في الارتقاء بروافد الهوية لتعزيز الانتماء، وإبراز هذا المكون الحضاري الأثير إلى أدباء السعودية وقراء الشعر ومحبيه، وهو ما عبر عنه الأمير بدر بن فرحان وزير الثقافة صراحة عندما قال: "وانطلاقا من ، التي يقودها سمو 2030 رؤية السعودية ولي العهد - يحفظه الله - نسعى في وزارة الثقافة إلى تعزيز هذه المكانة للشعر العربي في ثقافة الفرد، والتأكيد على مكانته الكبيرة في مدار الشعر الإنساني عموما، وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام بكل قوالبه وأشكاله، ونفخر بإبراز المكون الحضاري الشعري العربي المتميز عن بقية الفنون بكونه وعاء الحكمة والمعرفة والتأثير الاجتماعي الأكبر، وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية، كما نعتز بقيمة الشعر السعودي المعاصر ومكانته البارزة على مستوى العالم العربي". عبدالله الفيصل خالد الفيصل عبدالله بن إدريس عبدالله بن خميس غازي القصيبي طاهر زمخشري NO.10726 ، العدد 2023 فبراير 22 هـ، الموافق 1444 شعبان 2 الأربعاء 9

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=