aleqt: 29-10-2022 (10610)

تواجه أوروبا في الوقت الراهن عاصفة اقتصادية يصعب إنكارها، حيث إن أزمة الطاقة تترافق مع معدلات تضخم مرتفعة وسط احتمال التعرض لركود اقتصادي. وفي وقت تتفاقم فيه أزمة تكاليف المعيشة في دول القارة بلا استثناء، يظل احتمال تراجع معدل النمو شبحا محلقا في الأفق الاقتصادي الأوروبي، ومع تنامي التقييمات القاتمة للمستقبل الاقتصادي للقارة التي قادت الاقتصاد العالمي قرونا، تتزايد مشاعر القلق لدى المستثمرين وترتفع معدلات عدم الثقة بين المستهلكين. وسط هذا كله تزداد المخاوف يوما بعد آخر من أن تضرب بعض دول القارة الأوروبية، تحديدا منطقة الــيــورو، أزمـــة ديـون سيادية، مع تكثيف الحكومات إنفاقها العام لحماية المستهلكين في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة. تشير الأرقــام إلى أن بعض دول منطقة اليورو تتجه حاليا نحو أزمــة الـديـون السيادية، وتشمل القائمة مجموعة الدول الهشة ماليا مثل إيطاليا التي اختتمت الربع الأول من هذا الـعـام بـإجـ لي ديــن حكومي في المائة من الناتج 152.6 بلغ 189 المحلي الإجمالي، واليونان في المـائـة مـن الناتج المحلي في 127 الإجـــ لي، والبرتغال في المائة، 118 المائة، وإسبانيا في المائة، وبلجيكا 114 وفرنسا في 105 في المائة، وقبرص 108 المائة. وفي ظل حكومات يمينية غير ودودة مع فكرة الاتحاد الأوروبي واليورو كما هي الحال في إيطاليا فإن انفجار أزمة الديون السيادية قد يعني إعادة النظر في التصنيف الائتماني لتلك الـدول، وتراجع مستواها الاقتصادي بشدة، بما قد يدفع في لحظة من اللحظات إلى تخليها عن اليورو العملة الأوروبية الموحدة، والسير على خطى البريطانيين والخروج من الاتحاد الأوروبي. تكمن المشكلة في أن بعض الـدول الأوروبية ربما لن تكون قادرة علىسداد ما عليها من ديون سيادية بسبب ضعف آفاق النمو، وارتفاع معدلات الفائدة، ونقص القدرة المالية، وتوسع العجز الحكومي. مـــــن جــــهــــتــــه، يـــقـــول لـ"الاقتصادية" الدكتور دي. إم. فيليب أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة ستانفورد "وضـع ديون كل دولة أوروبية فريد من نوعه، لكن كثيرا من تلك الدول ستكافح لتجنب مشكلات الديون في الأعـــوام المقبلة وستكون النتيجة مؤلمة، وبصفة عامة فإن الانفاق يمثل مصدر القلق الكبير لأوروبـــا عموما، ودول جنوب القارة مثل اليونان لديها تاريخيا مستويات ديون وعجز أعلى من دول شمال أوروبــا، لكن نتيجة الحرب الأوكرانية ووقف إمدادات الغاز والنفط الــروسي لأوروبـا وارتفاع أسعار الطاقة فإن دول الشمال الأوروبي معرضة لخطر إنفاق مزيد من الأموال، ومن ثم مزيد من العجز المالي والاستدانة الحكومية". ويضيف "تشير التقديرات إلى أن أزمة الطاقة كلفت أوروبا نحو مليار يورو، وهذا سيؤدي 700 إلى مزيد من الضعف الاقتصادي. المشكلة تكمن في أن التضخم صدم بالفعل القارة الأوروبية، إذ سجل في منطقة اليورو في في المائة، 10 سبتمبر المـاضي فاذا أخذنا في الحسبان أن الديون نفسها تضخمية، وترافق هذا الوضع مع هشاشة المنظومة البنكية في بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا، ما يدفع الحكومات إلى تقديم المساعدة للأنظمة المصرفية، وتزامن هذا المأزق مع زيـادة في الإنفاق الحكومي ومـــن ثــم مـزيـد مــن الـديـون الإضافية لتمويل تكاليف الطاقة، فإن الضغط على النظام المالي الأوروبي يصبح أكـر خطورة يوما بعد آخر، وتدريجيا تفقد المنظومة المالية الأوروبـيـة قدرتها على امتصاص أو استيعاب أي ضـغـوط اقـتـصـاديـة كبيرة جديدة مفاجئة". مع هذا يعتقد بعض الخبراء المصرفيين أن الحديث عن أزمة ديـون أوروبـيـة تلوح في الأفق يصعب الجزم به تماما، على الرغم من إقرارهم بوجود بوادر لعاصفة عنيفة تتراكم غيومها على أبـواب القارة، لكن ضبابية المشهد تحول دون القطع بقوة تلك العاصفة من وجهة نظرهم. بدورها، ترى إلينا لي الخبيرة المصرفية والاستشارية في عدد من البنوك الأوروبية، أن الإجابة عن حل مشكلة الديون الأوروبية لا تكمن بالضرورة في كبح جماح الإنفاق الحكومي للتخفيف من أزمة الطاقة، معتبرة هذا النوع من الإنفاقضروريا تماما كالإنفاق الحكومي خلال فترة وباء كورونا. وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "الأولــويــة في الـوقـت الراهن لتخفيف آلام الاقتصاد الناجمة عن ارتفاع تكاليف المعيشة بصفة عـامـة، فالتضخم هـو الخطر الهائل الذي يهدد الاقتصادات الأوروبية، والمـؤشرات الأخيرة تـشـ إلى تــراجــع اسـتـهـ ك البنزين، وهذا يعني أن التضخم بدأ بالفعل في إضعاف النشاط الاقـتـصـادي، وأعتقد أن أزمـة الديون مصدر قلق ثانوي". ويرى بعض الخبراء أن جزءا من حل مشكلة الديون الأوروبية سيقع على البنك المركزي الأوروبي الذي سيواصل شراء ديون الدول الأعضاء الهشة ماليا، والامتناع عن رفع أسعار الفائدة، وقد بلغت مشتريات الديون السيادية في 2021 و 2020 منطقة اليورو في في المائة من صافي 120 ما يعادل إصدار الديون السيادية. مع هذا يعتقد آخرون أن هذا الحل ليس أكث من حل مؤقت، وأن منطقة اليورو تتجه بالتأكيد نحو أزمة ديون أخرى رغم أنها قد لا تكون وشيكة الحدوث، فالمالية العامة اليوم في حالة أسـوأ مما كانت عليه في ذروة الديون السيادية السابقة، كما أن احتياجات التمويل الحكومية قد تزداد في الأشهر أو الأعوام المقبلة، فالتدخل الـروسي في أوكرانيا دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخذا قرارات مكلفة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا واستقبال اللاجئين الأوكرانيين والـبـحـث عــن بــدائــل للطاقة الروسية، كما أن أوروبا اكتشفت أن طموحاتها بشأن المناخ مبالغ فيها وغير واقعية. في ظل تلك الأوضاع المعقدة تشير لـ"الاقتصادية" اليزابيث كريتشي المحللة المالية في بنك إنجلترا إلى أن تحدي أزمة ال ـدي ـون الأوروبــيــة قـد يــزداد تعقيدا نتيجة ارتفاع تكاليف الاقــــ اض لحكومات منطقة اليورو، ففي النصف الثاني من العام الجاري وبعد أعـوام من الاستقرار النسبي، ارتفعت أسعار الفائدة التي تطلبها الأسواق من الحكومات لسداد الدين العام المـسـتـحـق، واتـسـعـت فــروق عــائــدات الـسـنـدات السيادية بين الـدول الأعضاء التي تتسم أوضعها المالية بالهشاشة مثل إيطاليا والـدول الأكث استقرارا ماليا مثل ألمانيا. وتحذر اليزابيث كريتشيمن أن تلك الفروق بين دول مثل إيطاليا وأخرى مثل ألمانيا توجد قوة طرد مركزية بين المركز والأطراف داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وأن هذا الوضع قد يتدهور بشكل أسرع مما يتوقعه الجميع ويعرض تماسك العملة الأوروبية للخطر. في الـــواقـــع فـــإن الضغط الاقـتـصـادي الـــذي يتعرض له الاتحاد الأوروبي، تحديدا منطقة اليورو، أوجد ما يعده البعض عورا في التفكير الاقتصادي، إذ يبدو اليوم ما يسمى "التحيز إلى الوطن" لدى البنوك الأوروبية ظــاهــرة آخـــذة في الـتـنـامـي، وتعني تلك الظاهرة أن هناك ميلا لـدى البنوك إلى تكديس السندات السيادية المحلية، وإذا كانت أوروبـــا قـد نجحت خلال جائحة كورونا في إخفاء نقاط الضعف الكامنة في القطاع المــ في مؤقتا، تحت غطاء وقــائي بضمانات عامة للبنوك بأن الحكومات ستساندها إذا ما تعرضت لهزة نتيجة الجائحة، فإن تلك المساندة لا يمكن أن تدوم طويلا. باختصار ستواجه بعض دول منطقة اليورو في جنوب أوروبا مشكلات مالية في الفترة المقبلة حتى مع أسعار فائدة مواتية، لكن الخطورة تكمنفي أن دول الشمال الأوروبي التي اعتادت تاريخيا على تقديم يد المساعدة لإنقاذ دول الجنوب الأوروبي للحفاظ عـ وحـــدة الاتــحــاد وتماسك العملة الأوروبية الموحدة، باتت هي الأخــرى في وضـع لا تحسد عليه، إلى الحد الذي دفع بألمانيا إلى المطالبة بأن تكون الأموال المتبقية في صـنـدوق "الجيل القادم للاتحاد الأوروبي" الذي أسس خلال جائحة كورونا بقيمة مليار يورو لمواجهة الجائحة، 750 أن تستخدم الأموال المتبقية في الصندوق لمواجهة أزمة الطاقة الحالية، بدلا من الديون الجديدة المشتركة للاتحاد الأوروبي. وهذا يعني إدراكـا من ألمانيا أكـ قـوة اقتصادية في أوروبـا أن فكرة مواصلة الأوروبـيـ الاستدانة والاقتراض باتت تمثل خطرا حقيقيا على مسيرة الاقتصاد الأوروبي. والضغوط الاقتصادية الراهنة تضع مزيدا من الأحمال على كاهل حكومات الدول الأوروبية، بحيث يبدو أن الجميع سيكون في خطر بدرجات متفاوتة إذا ما انفجر الوضع الاقتصادي، فالأسواق المالية الأوروبية تستعد لرحلة صعبة قد يتحول عنوانها الرئيس مـن خطر التضخم في الوقت الراهن إلى كارثة الديونفي الفترة المقبلة. 7 NO.10610 ، العدد 2022 أكتوبر 29 هـ، الموافق 1444 ربيع الآخر 4 السبت دول جنوب القارة لديها تاريخ في أزمة الديون .. الحرب تعرض الشمال الأوروبي لخطر العجز المالي تحدي أزمة الديون الأوروبية يزداد تعقيدا نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض لحكومات منطقة اليورو المنظومة المالية الأوروبية تفقد قدرتها على امتصاص أو استيعاب أي ضغوط اقتصادية جديدة مفاجئة أوضاع مالية لأعضاء في التكتل تتسم بالهشاشة .. هناك ميل إلى تكديس السندات السيادية المحلية تزداد المخاوف يوما بعد آخر من أن تضرب أزمة الديون بعض دول القارة الأوروبية وخصوصا منطقة اليورو . % من الناتج 189 أوروبا تواجه عاصفة اقتصادية يصعب إنكارها .. ديون سيادية تصل إلى انفجار أزمة الديون السيادية قد يعني إعادة النظر في التصنيف الائتماني لتلك الدول وتراجع مستواها الاقتصادي بشدة. مليار يورو وتهدد بمزيد من الضعف الاقتصادي 700 أزمة الطاقة كلفت القارة من لندن هشام محمود ألمانيا تدرك أن فكرة مواصلة الأوروبيين الاستدانة والاقتراض باتت تمثل خطرا حقيقيا على الاقتصاد فروق عائدات السندات السيادية بين الدول توجد قوة طرد داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو أسواق وأرقام

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=