aleqt (10574) 2022/09/23
لما عاد الملك عبدالعزيز من الحجاز دون تحقيق نتائج ملموسة تنزع فتيل الأزمة مع العراق حول المخافر المقامة على الحدود، كان أول عمل قام به بعد وصوله إلى الرياض هو توجيه دعوة عامة دعا فيها زعماء نجد وأهل العقل والرأي من أهل الحاضرة وسكان الهجر والبادية كافة إلى اجتماع عام ليبسط لهم حقيقة الموقف الحاضر، ليتخذ الجميع بعد ذلك قرارا كاملا في المنهج الــذي تسير نجد عليه في سياستها الداخلية والخارجية، ومع أنه قد سبق للملك أن عقد اجتماعات عامة عديدة قبل هذا الاجتماع، إلا أن الدعوات لم تكن تعم هذا الجمع الكبير من الناس، ولم يكن الموقف بهذا الشكل، وقد بدأت الوفود تنحدر من سائر الجهات إلى الرياض، بينما وصل أول أفواجهم .1928 في آخر سبتمبر في ضـوء هـذه العوامل، انشغل الملك عبدالعزيز بعد ذلك بالترتيب للاجتماع الكبير الذي أطلق عليه لاحقا اسم "الجمعية العمومية" بعد أن رأى الأمور دخلت منعطفات الخطر الذي لا يريد تحمل مسؤولية نتائجه وحده بصفته القائد، بل رأى أن يكون واحدا من أفراد شعبه يتحمل من المسؤولية ما يتحمله أدناهم، لذلك فإن الملك عبدالعزيز في دعوته أهل نجد للاجتماع صدمهم بإشارته إلى أن هدف الاجتماع الرئيس انتخاب "ولي أمر" لهم يسير بهم حسب ما يجمعون عليه أمرهم وهو واحد منهم! فضجت نجد بذلك الكتاب حزنا وألما، فيما تم تأخير موعد الاجتماع المحدد نحوا من الشهر حتى يتمكن جميع المدعوين من الحضور. وعندما وصلت الوفود التي بلغت ألفا إلى الرياض، اختير من بين 25 نحو هذه الجموع العلماء والأمراء والرؤساء ، فكان 800 والقادة، فبلغ عددهم نحو الاجتماع في صباح الإثنين الخامس من ، إذ ألقى الملك عبدالعزيز 1928 نوفمبر في المجتمعين خطابا مؤثرا، جاء فيه: "إنني لم أجمعكم، اليوم، في هذا المكان، خوفا أو رهبا من أحد منكم، فقد كنت وحـدي من قبل، وليس لي مساعد إلا الله، فما باليت بالجموع، والله هو الذي نصرني، وإنما جمعتكم، كما قلت لكم، خوفا من ربي، ومخافة من نفسي أن يصيبها زهو أو استكبار. جمعتكم، هنا، في هذا المكان، لأمر واحد، ولا أجيز لأحد أن يتكلم، هنا، في غيره، ذلك هو النظر في أمر شخصي وحـدي. فينبغي أن تجتنبوا، في هذا المجلس، الشذوذ عن هذا الموضوع. ولا أبيح لأحـد أن يخاصم، في هذا المجلس، أحـدا في رأيـه، ولو أخطأ، فالجميع أحـرار فيما يتكلمون به في هذا الموضوع. أما الأشياء الخارجة عن هذا، فسأعين لكم اجتماعات، خاصة وعامة، في غير هذا الاجتماع العلني، ننظر فيها بجميع الشؤون، التي ينبغي النظر فيها من سائر شؤوننا، أريد منكم أن تنظروا، أولا، فيمن يتولى أمركم غيري، وهؤلاء أفراد العائلة أمامكم، فاختاروا واحـدا منهم. ومن اتفقتم عليه، فأنا أقره وأساعده..."، فأجمعت كلمة المجتمعين بإصرار على رفضهذه الفكرة مطلقا وعدم منازعته في الأمر، مؤكدين أنهم لا يرضون عنه بديلا، وجرت المكاشفة الصريحة في بعض الأمور التي رد الحكم فيها إلى العلماء، وكان أهمها إعلان السخط العام حول بناء الحصون العراقية على الحدود والمطالبة بإزالتها ومسألة الغزو، فطلب رجلا لمناقشة هذه 50 الملك انتخاب القضية في مجلس خـاص، ثم قام المجتمعون جماعة جماعة يجددون البيعة لإمامهم على السمع والطاعة، فانصرف الملك بعد انفضاض الجمعية إلى معالجة الأمــور بحزم للسيطرة على الأمور المتوترة على الحدود بعد أن استوثق بأن قلوب أهل نجد معه وسيوفهم في يده لاتخاذ الإجـراءات التي يراها مناسبة، وما هي إلا خمسة أشهر حتى بلغه وهو في الرياض خبر الاعتداء على بعض رعايا المملكة الذين هم في ذمة الملك وعهدته من قبل بعض سكان الهجر الذين كانوا يصرون على غزو العراق وقبائل الحدود دون إذن الملك، فكان لهذا الخبر وقعه السيئ على الملك وعـ أهـل نجد، فكانت مقررات الجمعية العمومية الميثاق بينه وبين شعبه للقضاء على الفتنة وحسم فوضى مخالفة الأحكام الشرعية والخروج على طاعة ولي الأمر، فحمل عليهم بقواته، وما هي إلا نصف ساعة حتى انكشف القوم وانتصرالملك وجنوده في معركة السبلة الفاصلة يوم ، ويـرى كثير 1929 مـارس 30 السبت من المؤرخين أن لهذه المعركة أثرها الكبير في نزع فتيل الغلو وإطفاء الفتن واستمرار التطور الاجتماعي والبناء الحضاري في جزيرة العرب. - المؤتمر الوطني الأول 7 :1931 في مكة المكرمة ومن منطلق تحقيق مبدأ الشورى الذي انتهجه الملك عبدالعزيز للوقوف على آراء الشعب لإقامة العدل ورفع المظالم ومعرفة احتياجات البلاد معرفة حقيقية وتفقد حالة الرعية تفقدا أكيدا فيسبيل ترقية البلاد لتنعم وأهلها بالأمن والطمأنينة وبالرفاهية والسعادة، فقد قـرر في مطلع عام هـ عقد مؤتمر وطني في الحجاز، 1350 وكـان من أهـم أهــداف هـذا المؤتمر البحث أولا في الطريقة الصحيحة لإقامة شعائر الدين وصيانة الأخلاق وإقامة الشريعة. وثانيا، النظر فيما يؤمن العدل والإنـصـاف بين الناس. وثالثا، النظر في إصـ ح حالة البلاد الاقتصادية والعمرانية على أن يعقد هذا المؤتمر في شهر المحرم من كل عام. وبالفعل، وجـهـت الـدعـوة إلى أهل العلم وأصحاب الـرأي من أهل الحل والعقد في جميع دول الحجاز وملحقاتها لانتخاب عـدد معين من كل بلد من غير الموظفين الحكوميين للمشاركة في هـذا المؤتمر الوطني الذي يبحث في مصلحة الحجاز وأهله، 14 وأذاعــت الحكومة بلاغا عاما في هــ وزعته على الأهالي 1350 المحرم لتقديم مقترحاتهم ومعلوماتهم إلى المؤتمر بصورة كتابية وفـق شروط حددتها. وافتتح الملك عبدالعزيز المؤتمر في القاعة الكبرىفي القصرالملكيفي مكة المكرمة بحضور مندوبي مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع، إضـافـة إلى أعـضـاء مجلس الشورى ومـنـدوبي الحكومة في مساء يوم هـ، بخطاب 1350 المحرم 15 الثلاثاء استمر أكثر من ساعة ونصف، ثم أمر سكرتيره الخاص يوسف ياسين بتلاوة برنامج المؤتمر وأعماله، ومن بينها المواضيع التي تقترحها الحكومة للبحث وتتلخص في ترتيبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنظيم القضاء وطــرق تأمين سـ العدالة وإنجاز معاملات الناس وقضاياهم، والمسائل الاقتصادية وطرق معالجتها بالطرق الحكيمة، ومسائل الحج والمطوفين والوكلاء، فيما كان للمؤتمر الحرية في البحثفي كل ما يرى فيه منفعة عامة أو دفعا لضرر. وقد انتخب المؤتمر الشيخ محمد المرزوقي رئيسا وصالح شطا نائبا للرئيس وأحمد الغزاوي سكرتيرا، ثم عقدت الجلسة الأولى للمؤتمر وشكلت خلالها ثلاث لجان للمؤتمر، الأولى: لجنة الأمر بالمعروف وشؤون الحج والمطوفين برئاسة محمد نصيف، والثانية: لجنة القضاء برئاسة محمد المـرزوقـي، والثالثة: لجنة المسائل العمومية برئاسة عبدالله الشيبي، ليعقد المؤتمر في صباح اليوم التالي جلسته الثانية في بهو ديـوان النيابة العامة في دار الحكومة، وقرر بالإجماع رفع شكره للملك على عقد هذا المؤتمر الـوطـنـي وإتــاحــة الـفـرصـة للشعب للمشاركة في قضايا بـ ده ومعالجة مشكلاتها، مؤكدا حرص المؤتمر على تنفيذ تعليمات الملك وإنجاز الأعمال لما فيه مصلحة البلاد ورفـع النتائج للملك في أسرع وقـت. لينتقل مكان المؤتمر بعد ذلك إلى قصر ذوي غالب في أجياد، وشرع في عقد جلستين في كل يوم. المحرم 24 وفي صباح الخميس عقدت الجلسة الختامية للمؤتمر، 1350 وتــم إقـــرار التقرير في المواضيع والأبحاث التي تناولها المؤتمر، ليقدم التقرير في مساء اليوم نفسه إلى الملك عبدالعزيز، الـذي تناوله من رئيس المؤتمر، مثنيا علىهمة الأعضاء، متمنيا لهم وللأمة التوفيق في خدمة المصالح العامة، واعدا إياهم النظر في مقررات المؤتمر وتنفيذها بتقديم الأهم منها على المهم بعد درسها وفحصها، فيما نشرت الجريدة الرسمية التقرير على صفحاتها ليطلع عليه الجميع. :1938 - مؤتمر الرياض 8 عقد الملك عبدالعزيز بعد عودته من الحجاز في النصف الأول من عام مؤتمرا في الرياض حضره أمراء 1938 العائلة المالكة والعلماء وكبار القادة وأهل الرأي، وقد رأس الملك عبدالعزيز المؤتمر، فاستعرض أمام الحاضرين الموقف الداخلي والموقف الخارجي، وأبان للجميع وجوب الحذر واليقظة وأخذ العدة التي أمر بها القرآن، وأبدى ضرورة النظر في أمرين لحفظ كيان الدولة في الداخل والخارج: الأول: تأسيس مجلس أعلى للدولة يؤلف طبق نظام خاص ينظر في الأمور العامة التي لها أساس بكيان الدولة وحفظها. والآخــــر: النظر في التشكيلات العسكرية وجعلها في نظام جديد غير نظامها الحاضر، يجعل الفائدة من القواتفي نجد أعظم فعلا وأشد تأثيرا في الملمات، وذلك لا يكون إلا بتدريب الجنود تدريبا فنيا في ثكنات خاصة بهم، حيث يكون تحت التدريب الدائم بضع عشرات من الألوف تتحرك بأمر قائدها الأعلى إلى أي جهة من الجهات تسندها باقي الـقـوات الاحتياطية الأخرى المدخرة في البلاد. وقد أبدى الملك بأنه لم يمنعه في السابق من إخراج هذا الاقتراح إلى حيز الوجود إلا ما كان يعترضهذا المشروع الملك عبد العزيز غير مجرى التاريخ باتجاه الوحدة الوطنية يحتفل السعوديون بيوم توحيد بلادهم التي لم تقربها براثن الاستعمار. لما عاد الملك من الحجاز دون نزع فتيل الأزمة مع العراق وجه دعوة إلى زعماء نجد ليبسط لهم حقيقة الموقف بدأت الوفود تنحدر من سائر الجهات إلى الرياض بينما وصل أول أفواجهم في آخر سبتمبر 1928 صدم الملك أهل نجد بإشارته إلى أن هدف الاجتماع انتخاب «ولي أمر» لهم يسير بهم حسب ما يجمعون عليه عقد 1350 قرر الملك في مطلع مؤتمر وطني في الحجاز لبحث الطريقة الصحيحة لإقامة شعائر الدين وإقامة الشريعة الملك الموحد صعد نجمه في زمن كانت حركة التاريخ تجرف العالم العربي باتجاه التقسيم إلى كيانات لا أصل لها من العجز المالي في واردات الدولة، ونظرا إلى اعتقاده بانفراج الأزمة بفضل ما ينتظر أن يرد للميزانية من حاصلات الإنتاج الاقتصادي في هذه البلاد، فإنه يرى وجوب المبادرة إلى هذا العمل. وقد تقبل الجميع بيانات الملك بكثير من الغبطة والسرور، وأيدوا اقتراحاته ووافقوا عليها بالإجماع، ولذلك صدر أمره بعد المؤتمر بإعداد العدة اللازمة لإنفاذ هذين الاقتراحين. - الاجتماع الشعبي العام 9 :1941 في الطائف أصدر الملك عبدالعزيز أمره على نائبه العام في الحجاز الأمير فيصل 1941 بن عبدالعزيز في منتصف عام تقريبا بعقد اجتماع عـام برئاسته وحضور العلماء والأعـيـان ورؤسـاء الموظفين في هذه البلاد، وقد صدع الأمـ بالأمر، فوجهت رقـاع الدعوة لحضور هذا الاجتماع، وأعدت مزرعة "الحوية" بقرب الطائف لتكون مقرا لهذا الاجتماع، وأعدت السيارات لنقل المدعوين من مكة وجـدة والطائف إلى مكان الاجتماع، وما وافى أصيل هــ حتى 1360 رجب 30 يوم الجمعة كانت الحوية زاخـرة بالوفود، وبعد صلاة العشاء نهضوا بمعية الأمير إلى الـ ادق المعد لعقد هذا الاجتماع العام، فاستهل الأمير فيصل حديثه بإيضاح الأهـداف الإصلاحية السامية التي يرمي إليها الملك ويدعو أمته إلى امتثالها لتنال خيري الدنيا والآخـرة، وأفـــاض الأمـــ في هــذا المـوضـوع ليوضح الغاية النبيلة التي من أجلها عقد الاجتماع، ألا وهي العناية التامة بالتزام أفــراد الشعب بـأوامـر الله والانتهاء عن نواهيه، ثم أمر سموه بتلاوة المنشور الملكي الكريم الذي يتضمن نصائح الملك وإرشاداته لأفراد شعبه، كما تضمن توضيحا لأسباب الاجـتـ ع التي تتمثل في اطلاعهم ومشاورتهم حتى يكونوا على بصيرة، كما تتمثل في مساعدتهم، لأنهم أدرى بمصالحهم. وتضمن المنشور تحقيق ثلاثة أمور طلبها الملك: الأول المبايعة للنائب العام على القيام بنصرة الله وإعلاء كلمته وألا تأخذهم في الحق لومة لائــم. الـثـاني: بـذل النصيحة للأقارب والجيران والإخوان، فمن تاب تاب الله عليه ومن أبى تقوم عليه الحجة وينفذ فيه أمر الله. والثالث: اجتماع هيئة من الرجال، أهل الدين والعقل، ويجتمع عندهم العدد الذي يريدون من عسكر وقوة لإنفاذ أمرهم، وتسمى هيئة التمييز. ثم عقب الأمير فيصل بكلمة عبر فيها عن أن محبة الملك لشعبه وحـرصـه عليهم هو الذي دفعه لبذل النصح الخالص لهم ليكونوا على نهج السلف الصالح. ثم كتب المدعوون جواب السمع والطاعة لأمر الملك بعد تناول كل منهم نسخة من ذلك المنشور وفهموا ما جاء فيه، وانفض الاجتماع والألسن والقلوب تلهج بالدعاء للملك بالنصر والتمكين. الخاتمة نلاحظ من خلال ما استعرضناه في هذه الإضمامة وجود معلومات نادرة ربما تثير علامات التعجب لدى كثير من القراء غير المختصين، خاصة من جيل الشباب، وليعلموا أنها معلومات تاريخية موثقة من أعـ المصادر التاريخية، لكن عليهم أن يستشعروا عظمة وطنهم وعظمة حكامهم وتاريخهم المجيد، وليتأكدوا أن الملك الموحد صعد نجمه في زمن كانت حركة التاريخ تجرف العالم العربي باتجاه التقسيم إلى كيانات لا أصل لها في الجغرافيا ولا في التاريخ، ولأنه أعظم قام 20 شخصية ظهرت في القرن الـ بتغيير مجرى التاريخ في بلاده باتجاه الوحدة الكاملة، فلم تقربها براثن الاستعمار، وهـا نحن ننعم بالأمن والرخاء وبحبوحة العيشفي ظل دولة آل سعود، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ونحتفل بيوم توحيد بلادنا على يد ذلك الزعيم العظيم في كل عـام، بينما يحتفل الآخـرون بيوم الاستقلال أو التحرير أو الجلاء، وهذا من فضل الله على كل سعودي. وما زلت أناشد الباحثين بإعادة قراءة تاريخهم ليدركوا عظمة وطنهم، وعظمة الملك عبدالعزيز الذي قال عنه ابن بليهد: "وله تاريخ لو سطر لضاقت به صفحات الكتب، ولله في خلقه سر لا يعلمه غيره، ومنه ادخـار هذا الملك الفاضل في أصلاب هذا العنصر المبارك إلى هذا الوقت الذي أدركناه حتى فزنا بوجوده". 6 .10574 ، العدد 2022 سبتمبر 23 هـ، الموافق 1444 صفر 27 الجمعة إصدارات
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=