aleqt: 9-9-2021 (10195)

16 NO. 10195 ، العدد 2021 سبتمبر 9 هـ، الموافق 1443 صفر 2 الخميس الثقافية لـيـس سـهـا أن تــعــود إلى المرويات والقصص والحكايا التي عام، 1300 صــدرت قبل نحو لتمحصفي تفاصيلها وما دار في رحاها، فذلك جهد بحثي مضن، اختار الأستاذ الدكتور صالح بن محمد السنيدي خـوض غـاره، ليخرج لنا بدراسة جديدة تضمنها كتاب حمل عنوان "فتح الأندلس .. دراسة في الخطة والاستراتيجية العسكرية مع النقد والتمحيص لمـرويـاتـه والــــرد عــى نظرية إجناثيو أولاجوي العربلم يغزوا الأندلس". بـن دفتي الكتاب، استنتج السنيدي أن القصة لم تكتب كم يجب، فأعاد كتابتها مشاركا القراء في الحكم والوصول إلى نتائج مقنعة، ويعيدنا أيضا إلى مقولة حسي مؤنس المــؤرخ المصري الراحل: "ما زلنا إلى يومنا هذا نبدئ ونعيد في تفاصيل فتح الأندلس، وكلم حسبنا أننا انتهينا إلى قول فصل، جاءنا ما يذكرنا بالحقيقة العلمية التي تقول: إن العلم لا يعرف أبدا ذلك الشيء الذي نسميه الكلمة الأخيرة في أي موضوع". أقرب إلى أدب الملاحم يفاجأ مـن يتتبع ويغوص في بداية الأحـداث وسيرها ثم نتائجها بانقطاع وعـدم ترابط ولا تناسق فيم بي مروياتها، بل سيكتشف أنـه أمـام تخمي في سرد بعض وقائعها، وقد وصل السنيدي المتخصص في الـدراسـات الأندلسية إلى هذه النتيجة، بعد أن استعرض الروايات المتعددة، والكتابات التي تناولت هذا الموضوع أو أحد جوانبه، حيث خرج كتابه بنتيجة أن مرويات فتح الأندلس لم تمحص وتنقح أحداثها بما يناسب هــذا الـحـدث الكبير، فتأخر تسجيل وقائعها، وتدخل عوامل مختلفة مثل الشعوبية والعنصرية ثم الإقليمية وتأثيرها فيصياغة الرواية، أحالها فيجلها إلى روايات أقرب ما تكون إلى أدب الملحم وأساطير القصاص. يسهم كتاب "فتح الأندلس" في كشف حقائق غامضة، وقضايا متداخلة لم يوصل في شأنها إلى مسلمت، فموضوع فتح الأنـدلـس أغـــرق في بحر زاخـر من الآراء المتصارعة والمواقف المتلطمة والتصويبات المتباينة والتحاليل المتشعبة، ما زاده غموضا، ويسير بنا إلى روايـة سليمة ومنطقية لــأحــداث، فالإخباريون في رواياتهم ركزوا عـى أسـطـورة يوليان وابنته، حاكم سبتة، الذي ألقى بثقله إلى جانب المسلمي، وتقول بعض الروايات: "إنه اعتنق الإسلم"، ويسميه البعض جوليان أو ليان أو يليان أو جليان، بحسب قراءة الاسم ونطقه، واختلف البعض في أصله، فهو بربري من برابرة غمرة عند البعض، وقوطي عند آخرين، وبيزنطي عند فريق ثالث. وبغض النظر عن دوافع يوليان المعلنة والخفية، إلا أنه كان من العوامل الفاعلة والمؤثرةفيترجيح كفة القوى، وتشير المصادر إلى أن دوافعه لا تخرج عن إطار عدائه الشخصي للملك القوطي لذريق، سواء لمنازعات وخصومات سياسية أم لأسباب شخصية، وتشير هذه المـصـادر إلى قصة شرف ابنته المهدور، ومنها استمد القصاص العرب والإسبان واستلهموها في أعملهم وخلدوها في رواياتهم، فالقصة تحكي أن لدى يوليان ابنة جميلة، أراد لها الرفعة والسمو، فبعث بها إلى بلط الحاكم الإسباني في طليطلة لتتأدب بآداب الملوك وتتخلق بأخلقهم، لكن لذريق كان مغرما بالنساء، فبهره جملها الأخاذ ونزا عليها، فعادت أدراجها إلى سبتة وقصت عل والدها ما حدث، فاستشاط غضبا، وفكر في ضربه بالمسلمي، وحبب إليهم غزو إسبانيا. عوامل مشجعة في حديث الباحث عن دوافع فتح الأندلس، فهي كثيرة، توثقها الدراسة الجديدة الصادرة عن مركز البحوث والتواصل المعرفي، المؤسسة البحثية السعودية المستقلة، المتخصصة في دراسة السياسات والعلقات الدولية، وتحليل الأزمـات، والاستشراف، والبحث في الثقافات والدراسات البينية، إضافة إلى التخصص في مجال التواصل المعرفي. من هذه العوامل موقع إسبانيا المميز، والمعبر الطبيعي لأوروبا الغربية، وهـذا الموقع جعلها نقطة جذب للغزاة والمغامرين وأصحاب الإمبراطوريات الكبرى عل امتداد التاريخ، كم أن هذه الأرض الخصبة والمياه الجارية والمناخ المناسب، إلى جانب أن استكمل فتح المغرب بأقاليمه ومناطقه كافة دفع بالقادة إلى البحث عـن مـيـدان جـديـد، مع توافر عنصر الحمس والرغبة لــدى أفـــراد الـجـيـش، وكذلك الـدعـم المـــادي والمعنوي من قبل القيادة العليا في دمشق وممثليها في القيروان، ووجود عدد من العوامل المشجعة، مثل اضـطـراب الأوضـــاع السياسية، وحركات التمرد والعصيان في أنحاء متفرقة من البلد، وسيطرة النبلء والإقطاعيي والمتنفذين عل موارد الدولة. إضافة إلى ذلـك كله، كانت الأنـدلـس تشهد صراعــا دينيا، وأسهم في نجاح المهمة أيضا مساعدة يوليان، الــذي أبـدى استعداده للتعاون مع المسلمي، وطلب منه القائد الكبير موسى بن نصير تنفيذ حملة عسكرية ليثبت حسن نواياه من جهة، وليبرهن عمليا عل صدق موقفه، فأعد حملة صغيرة قوامها مركبان، أغــــارت عــى جـنـوب الأراضي الإسبانية، وحققت أهدافها بنجاح، فكانت مثل بالون اختبار. ألف مقاتل 12 يوثق الدكتور صالح السنيدي، أستاذ التاريخ الأندلسيفيجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلمية سابقا، ورئيس المركز الإسلميفي غرناطة سابقا، كيفية الاستعداد للحملة من قبل موسى بن نصير، وأوكلت القيادة إلىطارق بن زياد، وتتفق معظم المصادر عل أن عدد المشاركي في الحملة الأولى التي قادها ابن زياد بلغ نحو سبعة آلاف، وبعد انضمم طريف إليه 12 فيم بعد، رفع العدد وعزز إلى ألفا، قبله انطلقت حملة مساندة ألف 18 بقيادة ابن نصير قوامها مقاتل لتكمل المسيرة، وتثبيت أواصر النصر. الكتاب الــذي يقع في نحو صفحة يضعنا في صورة 188 الأحـــــداث، وكـأنـنـا هـنـاك في الأنـدلـس لحظة وقوعها، دون تضخيم لـدور يوليان من قبل بعض المستشرقي، الذي يخفي بدوره الحقيقة، ويقلل من دور الفاتحي وجهودهم المبذولة. اختار مـوسى بن نصير وقتا مدروسا، لم يكن عشوائيا، بعد قراءة الخطة والخصوم، وواقع البحار وحركة النجوم والأنواء، ومن توجيهاته لطارق بن زياد لموعد عبور القوات الإسلمية المشاركة في عملية الفتح لذلك المضيق الفاصل بـن إسبانيا والمـغـرب، وبعث إليه برسالة "اطلب فيمن عندك رجل يعرف الشهور السريانية، فــإذا كان من أيار وهو بالحساب 21 يوم الأعجمي ماية، فاجسر عل بركة الله وعونه". أمـا أعـــداد الجيش الخصم، فاختلفت الرواياتحولها، منهم من ألف محارب، ولعل 100 أوصلها إلى الروايات التاريخية الأكثر قبولا هي ألفا، لكنه جيش أنهكته 40 أنها نحو الحروب، وأتعبته الأسفار وطول الطريق، ينقصه الحمس والروح المعنوية، فيم فرضطارق بن زياد عل خصمه مكان اللقاء، واختار موقع المواجهة ليكون ذا حمية طبيعية، وهـذا يخفف من وطأة تفوق خصمه في العدد والعدة، وفي معركة قياسية استمرت ثمانية أيام، استشهد فيها ثلثة آلاف من خـ ة محاربي المسلمي، لكنها معركة حددت مصير إسبانيا، وكانت فاتحة للزحف الكبير والانتشار ثم الانتصار وفتح الأندلس. هل غزا العرب الأندلس؟ يرد كتاب "فتح الأندلس" عل نظرية إجناثيو أولاجوي المستشرق " التي 1974 – 1903" الإسباني يدعي فيها، أن "العرب لم يغزوا الأندلس"، وتوصل الباحث إلى أن فتح الأندلس كان خلصة للساليب التي استخدمها المسلمون في حروبهم وعملياتهم العسكريةفي الميادين المتعددة، حيث يذهب أولاجوي إلى أن فتح الأندلس كان سلميا دون دخول قوات أو جيش إسلمي، وأن ذلك حدث بفعل التأثيرات والمؤثرات التي تفاعلت بحكم الحوار والصلت المتبادلة. كـان أولاجــوي يقلل من شأن الــــدور الــعــربي الإســامــي في إسبانيا، ويستغل مشاعر القراء السذج الذين ليس لهم إلمام بـالمـوضـوع، بحسب مـا يصفه مؤرخون، فتارة تناول المصادر بشيء من التشكيك، ثم يشككفي فكرة الفتح العسكري واستحالته، مـثـل صـعـوبـة عـبـور المضيق البحري، متسائل باستغراب: كيف تمكن هؤلاء الصحراويون الرحل من اجتياز مضيق جبل طـارق، الـذي كان يعد مقبرة للبواخر، لـوقـوعـه بــن تــيــارات بحرية متوسطية وأطلسية قوية تتموج فيه، فضل عن عدم توافر سفن صالحة لعبوره؟ ويــروج المستشرق الإسباني لفكرة مفادها، أن الفتح كان حضاريا وليس عسكريا، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يشير إلى أن مــوسى بـن نصير شخصية خرافية خيالية اختلقتها الرواية المصرية والبربرية، أو مبشر ديني، فيم يرد عليه الدكتور السنيدي بإسهاب وإجابات شافية، في دراســة لا تخلو من جانبها السردي الممتع. تسرد تفاصيل ثرية عن الخطة العسكرية «فتح الأندلس» .. دراسة تستنطق التاريخ وترد على المشككين فتح الأندلس كان خلصة للساليب التي استخدمها المسلمون في حروبهم وعملياتهم العسكرية في الميادين المتعددة يسهم كتاب «فتح الأندلس» في كشف حقائق غامضة. من دوافع فتح الأندلس موقع إسبانيا المميز والمعبر الطبيعي لأوروبا الغربية. من الرياض جهاد أبو هاشم الدكتور السنيدي محاضرا في مناسبة سابقة. "بدأت رحلة سقوط الليبرالية مـن داخـلـهـا". حـن يـكـون هذا الاعتراف أول عبارات كتاب بعنوان "لماذا فشلت الليبرالية؟"، ويكون المــؤلــف هــو بـاتـريـك ديـنـن، الكاثوليكي المحافظ والأكاديمي المختص في الفلسفة السياسية في جامعة نوتردام، يدرك القارئ أن بي يديه نقدا علميا رصينا لموضوع البحث. فبعد مضي ثلثة أعــوام عل إصـــداره، وتـم نقله حديثا إلى اللغة العربية، ضمن إصــدارات سلسلة عالم المعرفة "، لا يزال محل جدل كبير 2020" في الأوساط الأكاديمية والإعلمية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحظى بالقبول والإشـــادة من اليسار واليمي، عل حد سواء. يبدو هذا الإجمع عل التلقي الحسن للكتاب غريبا للوهلة الأولى، ولا سيم عند استعراض تفاصيله، بدءا من المقدمة "نهاية الليبرالية"، وانتهاء بالخاتمة "الحرية بعد الليبرالية"، مرورا بعناوين فصوله السبعة "الليبرالية غير المستدامة، الليبرالية مناهضة للثقافة، امتهان المـواطـنـة...". لكن قوة وحدة النقد تزيل تلك الغرابة، فديني يجادل، عل مدار الكتاب، بأن "الليبرالية لا يعوزها الإصلح، بل الإحالة إلى التقاعد". ولا تكمن المشكلة في أن الليبرالية قد اختطفت فقط، بل أيضا في أن إعلءها شأن الاستقلل الذاتي للفرد كان خاطئا منذ البداية، وأن مـرور العقود جعل خطأها أكثر وضوحا فقط. تعاني الليبرالية أزمة عميقة، ليس نتيجة قصور في تحقيق الأهـداف التي قامت عليها، إنما نتيجة لالتزامها بتحقيق هذه الأهــداف، ونجاحها بشكل كبير في ذلك. فقد وصلت المجتمعات الغربية إلى حالة غير مسبوقة من الفردية، وارتبط ذلك بالتحرر الشخصيمن السلطة والمؤسسات والتقاليد الثقافية والدينية. وزادت الدعوات المتكررة إلى علج أمراض الليبرالية بمزيد من الليبرالية في تأزيم الوضع، وإلقاء مزيد من الزيت عل نار ملتهبة. لأن مآل ذلــك في النهاية، هـو تعميق الأزمـــة عـى مختلف الأصـعـدة، السياسية والاجتمعية والاقتصادية والأخلقية. يركز الكاتب عند تشريح أعطاب الأيديولوجيا الليبرالية عل التجربة الأمريكية بالدرجة الأولى، مشيرا إلى اختلفها الجذري عن الليبرالية في الـــدول الاسكندنافية، عل الرغم من كونها دولا رأسملية، فإنها تحرص عل وجود قطاعات اقتصادية تابعة للدولة، ما يعني أنها ليست ليبرالية خالصة بطريقة أو بأخرى. هذا في وقت يعتقد فيه في المائة من الشعب 70 "نحو الأمـريـ ، أن بلدهم تسير في 50 الاتجاه الخاطئ، كم يعتقد في المائة من سكان الـبـاد، أن أفضل أيام بلدهم قد ولى إلى غير رجعة". ما أكثر الأمـراض التي عددها ديني بشأن هذه الأيديولوجيا، من قبيل: حدوث تزايد الانحراف في تـوزيـع الـــ وة، وفـسـاد في المؤسسات التقليدية "جمعيات، نقابات، الأسرة..." وفقدان الثقة بالسلطة "السياسية والدينية والعلمية والإعــامــيــة..." وبي المـواطـنـن أنفسهم، وهكذا تباعا، حتى بات جوهر الليبرالية هو الوحدة. مقابل ذلـك، يمعن في استعمل وصـف "الليبرالية معدومة الضمير" عند الحديث عن الليبرالية الجديدة، خاصة بعد انحيازها إلى قوى السوق، ومن يسيطر عليها من كبار الرأسمليي والاحتكاريي، ومسايرتها لرغبتهم الشديدة في تحقيق الأرباح، دون اهتمم بأحوال ومصالح الجموع الغفيرة من الفقراء الذين يشكلون أغلبية المجتمعات البشرية في زمننا الحالي. هــذا ليس بـالأمـر الغريب، فالليبرالية، بحسب ديني، بوصفها أيديولوجيا تبقى أول مـ وع لتحويل جوانب الحياة البشرية لتتوافق مع خطة سياسية مسبقة. نحن نعيشفي مجتمع، وعل نحو متزايد في عـالم، أعيد تشكيله عل صورة أيديولوجيا - أول أمة تأسست بـالاحـتـضـان الصريح للفلسفة الليبرالية، حيث يتشكل مواطنوها بنحو تـام عل وجه التقريب بالتزاماتها ورؤيتها. نقيض بقية الأيديولوجيات المنافسة، الأكثر قسوة، تبقى الليبرالية أكثر مكرا ودهـاء، فهي "كأيديولوجيا تتظاهر بالحياد، ولا تدعي أي تفضيل، وتنكر أي نية لتشكيل النفوس تحت لـواء حكمها. هي تتزلف مـن خــال الــدعــوة إلى الحريات السهلة، والإلهاء والإغواء بالحرية والملذات والــ وة. هي تجعل نفسها خفية، تماما كم لا يرى نظام تشغيل جهاز الحاسوب في الأغلب، إلى أن ينهار". يتعمد الكاتب، بـن الفينة والأخـرى في غمرة الاستغراق في القراءة، كشف حقائق قدمت لنا منقوصة عن المـ وع الليبرالي. ففي بداياتها "بـ ت الليبرالية باقتلع طبقة أرستقراطية قديمة باسم الحرية، لكن بينم تزيل كل آثـار نظام قديم، فإن ورثة أسلفهم المناهضي للرستقراطية المستبشرين، يعدون استبدالها نوعا جديدا من الأرستقراطية، التي ربما تكون فتكا". وعن الغبن الذي يطول المرأة في المجتمع، حي يطلب منها التخلي عن دورها الطبيعي، يقول: "نعد اليوم العلمة الأساسية لتحرير المرأة هي تحررها المتزايد من بيولوجيتها"، لأن الإنـجـاب يقيد مـن حريتها الفردية، وفقا لدعاوى الليبراليي، فانخفضت بذلك معدلات المواليد في الغرب، وغدت المرأة في نهاية الأمر أداة إضافية لتعزيز رأسملية السوق". بعيدا عن السياسة والاقتصاد فعلت الليبرالية فعلتها في الإنسان والثقافة، فقد عملت عل إعـادة تعريف الإدراك الإنساني لـلـزمـن، في مـحـاولـة لتحويل تجربة الـزمـن، وبصفة خاصة العلقة بي المــاضي والحاضر والمستقبل، لتجمع الكل فيم تسميه بـ"الحاضرية الفلسفية". فلشيء سوى اللحظة، لذا تصارع الليبرالية إلى اجتثاث القواعد والثقافات المحلية القائمة، فهي بمنزلة قيود قمعية عل الحرية الفردية. لا تحتفظ الليبرالية بشيء من الطقوس الثقافية المشتركة سوى بما يمجد الدولة الليبرالية والسوق، فأضحت الأعياد الوطنية مناسبات للتسوق، وصارت أيام الـتـسـوق المـقـدسـة "الجمعة السوداء" أعيادا وطنية. تحرص الليبرالية، في نسختيها القديمة والحديثة، عل إزاحـة الثقافات الفعلية، بمحاكاة ليبرالية زائـفـة، يعتنقها بشوق جمهور غير مدرك لما يقع. وهكذا يكون استحضار "الثقافة" دائما بصيغة المفرد وليس الجمع، فيم الأصل أن الثقافات الفعلية متعددة ومحلية وخاصة. الثقافة في الأصل حصيلة تراكم التجربة والذاكرة المحليتي والتاريخيتي، وفي الليبرالية تصبح الفراغ الذي يبقى، عندما تنزع أحشاء الـتـجـربـة المـحـلـيـة، وتفقد الذاكرة. اعتمد باتريك ديني في كتابه عل تشريح المراحل التاريخية الـتـي مــرت بها الأيديولوجيا الليبرالية، بـدايـة مـن اقتلع الأرستقراطية القديمة باسم الحرية، ووعـــود المشاركة في الحكم، حتى وصلت إلى ذروة نجاحها بسقوط الأيديولوجيات السياسية المنافسة، وهي الفاشية والشيوعية. وكيف ومتى بدأت رحلة السقوط المدوية، والأساليب والـوعـود الخادعة التي قدمتها الليبرالية للمواطني، ليخلص إلى قاعدة مفادها، "أن نظاما أفضل لن يضمن تلقائيا حياة أفضل. الحقيقة أن العكس هو الصحيح، فقط من خلل إيجاد حياة أفضل يمكن تطوير نظام أفضل". أمعنت في تحويل حياة البشر لتتوافق مع خطة سياسية مسبقة الليبرالية .. قصة انهيار أيديولوجية من الداخل من الرباط محمد طيفوري الكاتب باتريك دينين زادت الدعوات المتكررة إلى علج أمراض الليبرالية بمزيد من الليبرالية في تأزيم الوضع وإلقاء مزيد من الزيت على نار ملتهبة

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=