aleqt (10150) 2021/07/26

NO. 10150 ، العدد 2021 يوليو 26 هـ، الموافق 1442 ذو الحجة 16 الإثنين السياسية تشهد كوبا منذ أسابيع مظاهرات شعبية غير مسبوقة ضد الحكومة، احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في آخر معاقل الشيوعية في العالم، فقد أدى تفاقم الأوضاع إلى إحـدى أسـوأ أزمـات نقص المواد الـغـذائـيـة، منذ ربــع قـــرن، عـاوة على الفشل في التعامل مع جائحة فـ وس كورونا المستجد، ما أفضى إلى مـوجـات غضب، عمت منصات التواصل الاجتماعي، وأسهمت في حشد الـرأي العام الكوبي، فترجم الفعل الاحتجاجي إلى سلوك، تمثل في مسيرات احتجاجية غطت معظم المدن الكوبية. شكلت هذه المظاهرات مشهدا لا التي 1959 مثيل له في كوبا، منذ ثورة أطاحت بالعقيد فولجنسيو باتيستا حاكم الـبـاد، المـدعـوم من جانب 18 الولايات المتحدة الأمريكية طيلة عاما، بعد استيلئه على الحكم بفضل . وأسست لنظام 1933 ثورة العرفاء شيوعي بقيادة الزعيم فيدل كاسترو، الذي حكم لنحو نصف قرن من الزمن، إلى شقيقه 2006 قبل أن يسلم السلطة 12 راؤول كاسترو، الذي غادرها بعد 2018 ) نيسان (أبريل 18 عاما، معلنا في نهاية ستة عقود من حكم آل كاسترو. حاول النظام في كوبا التعتيم على الاحتجاجات، بالإنكار تارة والتجاهل تارة أخـرى، أو على الأقل التبخيس، بعدما فشل في مراقبة شبكة الإنترنت، وضـبـط منصات وسـائـل التواصل الاجتماعي، حيث تابع العالم مقاطع مصورة، توثق لمواجهات عنيفة بين عناصر الجيش وجموع المحتجين، ما دفع وزير الخارجية إلى التصريح في مؤتمر صحافي بأن الأمر "اضطراب على نطاق محدود للغاية.. البلد تمر بظروف طبيعية تماما". الإنكار بات بل جدوى أمام تطور الأوضاع في الدولة، ما اضطر الرئيس الكوبي ميجيل دياز كانيل إلى الاعتراف بوجود احتجاجات، محذرا المتظاهرين من أن "الثورة الكوبية لن تدير الخد الآخـر لأولئك الذين يهاجمونها في مساحات افتراضية وحقيقية.. سنتجنب العنف الـثـوري، لكننا سنقمع عنف الثورة المضادة". عزز هذا التحذير باستنفار أنصار النظام الشيوعي للخروج، مطالبا "كل ثوار الدولة، كل الشيوعيين، بالخروج إلى الشوارع والتصدي للستفزازات بكل حزم وشجاعة". فاللحظة لحظة الدفاع عن النظام "لقد صدرت الأوامر بالقتال، إلى الشوارع أيها الثوريون"، والتصدي لواشنطن التي تعتمد "سياسة الخنق الاقتصادي" لزعزعة استقرار الدولة. استعان النظام في هافانا - إضافة إلى أسـلـوب التحريض - بالحرب الإعـامـيـة، فمنذ انـــدلاع الأزمـــة لم تتوقف وسائل الإعــام الكوبي عن توزيع الاتهامات، وكيل أبشع النعوت للمتظاهرين، فهم خونة ومرتزقة وعملء.. يخدمون الأجندة الأمريكية والغربية. وكـان في رفـع المحتجين شعار ''الحرية والـوطـن والحياة'' في مواجهة شعار الحزب ''الوطن أو المــوت'' رسالة لا تخفى دلالاتها بالنسبة إلى مآل هذه الأزمة. أطلقت الـرطـة الكوبية حملة اعتقالات واسعة، فأعداد الموقوفين تقدر بمئات، حسب إفـادة منظمات محلية، شملت نشطاء ومعارضين وحقوقيين وصحافيين.. وفي لائحة الموقوفين رمــوز المعارضة أمثال خوسيه دانيال فيرير رئيس الاتحاد الوطني الـكـوبي والمنشق مانويل كويستا مــوروا وبيرتا سولر زعيمة مجموعة "سيدات بالأبيض"، إضافة إلى الصحافية كاميل أكوستا، وأوقفت عناصر الأمــن دينا ستارز الناشطة الكوبية في منزلها أثناء حديثها على الهواء مباشرة خلل برنامج تلفزيوني مع قناة إسبانية. توظيف الحزب الشيوعي كل هذه الأوراق دفعة واحـــدة "الاعتقال، الإعلم، الأنصار..."، يساعد على تقدير حجم الخطر المحدق به. فما يحدث - بحسب إرنستو هيرنانديز بوستو الكاتب الكوبي المنشق - "نهاية حقبة ساد فيها خوف عميق.. ما يجري يمثل تحولا هائل". فيما عده آخر "لحظة فاصلة"، مؤكدا أن هذه "المرة الأولى عاما التي نرى فيها احتجاجات 62 منذ غير محلية.. إذا لم تتمكن الحكومة من السيطرة على الأوضاع الاقتصادية والصحية، فل نعلم كيف ستتطور الأزمة في غضون ثلثة أو أربعة أشهر". يصعب فعل توقع مآلات الأوضاع، في ظــل تــداخــل ثـاثـة مـــؤشرات، اقتصادية وصحية وسياسية في صميم الأزمة الكوبية، أولها، تراجع الاقتصاد في المائة، مقارنة 11 الكوبي بنسبة بالعام الماضي، وذلك مع تراجع غير مسبوق لإنتاج السكر الذي يعد السلعة الرئيسة للتصدير، ما فاقم النقص الحاد في المواد الغذائية والأدويـة، وحتم عـ الحكومة تقليص عدد ساعات توزيع التيار الكهربائي في اليوم، خاصة بعد توقف المساعدات النفطية الفنزويلية. ثانيها، تفاقم الوضع الصحي في الدولة، مع تسجيل أرقـام قياسية، يوما بعد آخـر، في أعـداد الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، 7745 ففي اليوم الواحد تم إحصاء حالة جديدة، ليرتفع مجموع الإصابات ، فيما بلغت حالات الوفاة 308491 إلى حالة، ليكون إجمالي الوفيات في 65 حالة. 2137 البلد وآخــرهــا، تـآكـل شرعـيـة النظام الشيوعي بسبب غياب فيدل كاسترو، فرمزية وكاريزما وتاريخ ونضال الرجل لا يتمتع بها الرئيس الحالي ميجيل دياز كانيل، ولا حتى أخوه راؤول كاسترو صاحب المشوعية التاريخية، الذي ســارع إلى حضور اجـتـ ع المكتب السياسي للجنة المـركـزيـة للحزب الشيوعي، بعد انـدلاع الأزمــة، رغم تقاعده قبل عدة أشهر. رأى مراقبون أن ما يجري في كوبا أشبه ما يكون بأحداث دول أوروبـا الشقية، نهاية حقبة الثمانينيات، فمطالب وشعارات المحتجين ترمي إلى إسقاط الحزب الشيوعي الكوبي، وتفكيك تركة الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو، بعد أن تفاقمت حالة الانسداد العام التي تشهدها الدولة، جراء عقود من محاولات تطبيق النظام الاشتراكي في تدبير شؤون الدولة. كما أن الأزمة الكوبية تجلي معضلة الشعية عند اليسار في العالم، وعلى وجه التحديد أمريكا الجنوبية، مـن الاستناد إلى الـرديـة الثورية بمشمولاتها كافة الخطابة والشعوبية والعاطفة، لتورية الفشل السياسي، والتغطية على الإخفاق الاقتصادي، وحجب المعضلت الاجتماعية، علوة على عجز معظم تجارب اليسار في العالم عن ربط الشعية بالديمقراطية. مع اقتراب العلقات الصينية الأمـريـكـيـة بشكل مـتـزايـد من الديناميكيات الجيوسياسية للحرب الـبـاردة الأصلية، يتجه العالم نحو تـــوازن جـديـد مشحون، بينما يتوق البعض في الغرب إلى "لحظة سبوتنيك" جديدة لتحفيز الاستثمارات والإصـاح، لكن يجب أن يكونوا حذرين فيما يرغبون فيه. بحسب ما يرصده تقرير دارون أسيموجلو، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هو مؤلف مشارك "مع جيمس أ.روبنسون" لكتاب "لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر والممر الضيق: الـــدول والمجتمعات ومصير الحرية". إذ أثـارت الحملة التي شنتها الحكومة الصينية على شركة علي بابا العام المـاضي، وعلى شركة ديدي لخدمات نقل الركاب هذا الشهر، تكهنات محمومة حول مستقبل صناعة التكنولوجيا في تلك الـدولـة. ينظر البعض إلى التدخلت التنظيمية الصينية الأخـ ة على أنها جزء من اتجاه مـرر يـــوازي تدقيق السلطات الأمريكية المكثف للتكنولوجيا الكبيرة. يـرى البعض الآخـر أنه مسحية للتحكم في البيانات التي قد تستغلها الدول الغربية. وما زال البعض الآخر، وهو أمر منطقي أكـر، يـرى الأمـر بمنزلة طلقة في الهواء لتذكير الشكات الصينية الـكـرى بــأن الحزب الشيوعي الصيني لا يزال مسؤولا. يستخدم جيفري فرانكل أنماط التصويت لإظهار أن الصلة بين التطعيم وتقليل معدل الوفيات هي أكث من مجرد ارتباط، لكن الأهـــم مـن ذلـــك، أن تصرفات الحكومة الصينية هي جـزء من جهد أوســع لفصل الصين عن الـولايـات المتحدة، وهـو تطور يمكن أن تكون له تداعيات عالمية خطيرة. على الرغم من التدهور المستمر في العلقات الاقتصادية والاستراتيجية الصينية الأمريكية، اعتقد قليلون أن التنافس سيتحول إلى مواجهة جيوسياسية على غرار الحرب الـبـاردة. لبعض الوقت، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل مفرط على الصين، وكان الاقتصادان متشابكين بشكل وثيق للغاية. الآن، ربما نتجه نحو توازن مختلف تماما. حـــددت ثـــاث ديناميكيات مترابطة الحرب الباردة، الأول، وربمـــا الأهـــم، كــان التنافس الأيديولوجي. كـان لـدى الغرب بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي رؤى مختلفة حول كيفية تنظيم الـعـالم، وحـاول كـل منهما نـر رؤيـتـه، أحيانا بوسائل شائنة. كان هناك أيضا بعد عسكري، تجلى بشكل واضح في سباق التسلح النووي. وكلتا الكتلتين كـانـت حـريـصـة على تأمين الريادة في التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، لأنهما أدركتا أن هذا أمر حاسم للفوز أيديولوجيا وعسكريا. في حــ أثـبـت السوفيات في النهاية أنـه أقـل نجاحا من الولايات المتحدة في دفع النمو الاقتصادي، فقد حققوا انتصارات تكنولوجية عسكرية مبكرة. كان الإطـاق الناجح للقمر الصناعي سبوتنيك بمنزلة جــرس إنــذار للولايات المتحدة. كانت المنافسات الشديدة في الـحـرب الـبـاردة ممكنة إلى حد كبير بسبب انفصال الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. لم تتدفق الاستثمارات الأمريكية والاخــــ اقــــات التكنولوجية تلقائيا إلى السوفيات "باستثناء، في بعض الأحــيــان، مـن خلل التجسس" كما حدث مع الصين في العقود الأخيرة. لكن الآن، أدت الـعـداوات الصينية الأمريكية، التي تفاقمت بسبب دبلوماسية دونالد ترمب غير المتماسكة، إلى إيجاد نظائر حديثة لخصومات الحرب الباردة. إن الصدع الأيديولوجي، الذي لم عاما، 20 يكن يلوح في الأفق قبل أصبح الآن محددا جيدا، حيث يمجد الغرب فضائل الديمقراطية، بينما تدفع الصين بثقة نموذجها الخاص في جميع أنحاء العالم، خاصة في آسيا وإفريقيا. في الوقت نفسه، فتحت الصين جبهات عسكرية جديدة، ليس أقلها في بحر الصين الجنوبي ومضيق تـايـوان. وبالطبع، فقد تصاعد التنافس الاقتصادي والتكنولوجي خلل العقد الماضي، حيث خلص كل الجانبين إلى أنهما في سباق وجودي لتحقيق الهيمنة في الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن هذا التركيز على الذكاء الاصطناعي قد يكون مضلل، إلا أنه لا شك في أن إتقان التقنيات الرقمية والعلوم الحيوية والإلكترونيات المتقدمة وأشباه الموصلت له أهمية قصوى. رحــــب بــعــض المــراقــبــ بالمنافسة الجديدة، معتقدين أنها ستمنح الغرب هدفا مشتركا محددا جيدا. بعد كلشيء، حفزت "لحظة سبوتنيك" حكومة الولايات المتحدة على الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتقنيات الجديدة. قد تؤدي مهمة مماثلة للسياسة العامة اليوم إلى عديد من الفوائد، في الواقع، بدأت إدارة بايدن بالفعل في تحديد أولويات الاستثمار الأمريكية من حيث التنافس الصيني الأمريكي. صحيح أن عديدا من قصص نجاح الـغـرب في حقبة الحرب الباردة اعتمدت على أن الاتحاد السوفياتي كـان بمنزلة إحباط، كــان ينظر إلى نمـــوذج أوروبـــا الغربية للديمقراطية الاجتماعية على أنه بديل مقبول للشتراكية الاســـتـــبـــداديـــة عـــ الــطــراز السوفياتي، وبالمثل، فإن النمو الــذي تحركه السوق في كوريا الجنوبية وتايوان يرجع إلى حد كبير إلى تهديد الشيوعية، الذي أجب الحكومات الاستبدادية على تجنب القمع العلني، وإجــراء إصلحاتفي الأراضي، والاستثمار في التعليم. ومـــع ذلــــك، فـــإن الـفـوائـد المحتملة لـعـزم "سبوتنيك" الجديد ربمــا تفوقها تكاليف الفصل. في عالم اليوم المترابط، يعد التعاون العالمي أمرا أساسيا. إن التنافس مع الصين، رغم أنه ضروري للدفاع عن الديمقراطية في جميع أنحاء الـعـالم، ليس الأولوية الوحيدة للغرب. يشكل تغير المناخ أيضا تهديدا حضاريا، وسيتطلب تعاونا وثيقا بين الصين والولايات المتحدة. علوة علىذلك، يميل المعلقون في الوقت الحاضر إلى التقليل من أهمية التكاليف الهائلة للحرب الباردة. إذا كان الغرب يفتقر الآن إلى المصداقية عند الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية - بما في ذلك في هونج كونج والصين - فهذا ليس فقط بسبب جيل من التدخلت العسكرية الكارثية في الشق الأوسط. خلل الأعوام التي اعتقدت فيها الولايات المتحدة أنها دخلت في صراع وجودي مع السوفيات، أطاحت بحكومات منتخبة ديمقراطيا في إيــران ،"1954" " وجواتيمالا 1953" ودعمت الديكتاتوريين الأشرار مثل جوزيف موبوتو في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوجوستو بينوشيه في تشيلي. ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بأن الحرب الباردة عـززت الاستقرار الــدولي، على العكس من ذلك، فإن سباق التسلح النووي وسياسة حافة الهاوية من كل الجانبين مهدا الطريق للحرب، لم تكن أزمـــة الـصـواريـخ الكوبية هي المرة الوحيدة التي اقتربت فيها الولايات المتحدة والسوفيات من صراع مفتوح و"الـدمـار المؤكد المــتــبــادل"، كــ كـانـت هناك أثناء 1973 مكالمات وثيقة في 1983 حـرب يـوم الغفران. في عندما أرسـلـت أنظمة الإنـــذار المبكر السوفياتية إنــذارا كاذبا بشأن إطلق صاروخ باليستي عابر للقارات من الولايات المتحدة، وفي مناسبات أخرى. التحدي الـيـوم هـو تحقيق نمـوذج للتعايش السلمي يسمح بالتنافس بين الـرؤى المتعارضة للعالم والـتـعـاون في الأمــور الجيوسياسية والمتعلقة بالمناخ، هذا لا يعني أن على الغرب قبول انتهاكات الصين لحقوق الإنسان أو التخلي عن حلفائه في آسيا، لكن لا ينبغي أن يسمح لنفسه بالوقوع في فخ شبيه بالحرب الباردة، يجب أن تظل السياسة الخارجية المبدئية ممكنة، خاصة إذا سمحت الحكومات الغربية لمجتمعاتها المـدنـيـة بقيادة التدقيق في انتهاكات الصين في الداخل والخارج. 13 بعد عقود من فخ الحرب الباردة التنافس الصيني الأمريكي .. حرب«الديناميكيات المترابطة» التحدي اليوم هو تحقيق نموذج للتعايش السلمي يسمح بالتنافس بين الرؤى المتعارضة للعالم والتعاون في الأمور الجيوسياسية والمتعلقة بالمناخ من الخطأ الفادح الاعتقاد بأن الحرب الباردة عززت الاستقرار الدولي. من الرياض «الاقتصادية» تجارب اليسار في العالم تعجز عن ربط الشرعية بالديمقراطية كوبا .. هل تتداعى آخر قلاع الشيوعية؟ يصعب فعل توقع مآلات الأوضاع في مؤشرات اقتصادية وصحية 3 ظل تداخل وسياسية في صميم الأزمة الكوبية ما يجري في كوبا أشبه ما يكون بأحداث دول أوروبا الشرقية نهاية حقبة الثمانينيات. من الرباط محمد طيفوري

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=