aleqt (10130) 2021/07/06

الرأي لدينا اقتصاد يقع تحت طائلة نفوذ السوق والاستغلال، وقواعد اللعبة مهمة، فقد اجتمعت عوامل ضعف القيود على قوة الشركات، وانكماش القوة التفاوضية للعاملين إلى أدنى حد، وتقلص القواعد التي تحكم استغلال المستهلكين والمقترضين والطلب والعاملين، فأدت معا إلى اقتصاد أضعف أداء تشوبه زيادة السعي لتحقيق الريع وزيادة عدم المساواة. فحقيقة نحن في حاجة إلى إعادة صياغة شاملة لقواعد الاقتصاد. » 3 من 2 هزيمة الانقسام الاقتصادي في العالم « ثلاث دوائر اقتصادية هناك تساؤلات اقتصادية على جميع المستويات يصعب تقديم إجابات عنها دون إجماع على المرجعيات وتحديد السياق. عادة يصعب الدفاع عن السياسات قبل الإجماع على المرجعيات والسياق. إذ دون ذلك يصعب تتبع سلم القيمة المضافة وتصبح الخيارات الاقتصادية سوقا لمن يقدم عرضا أفضل تسويقيا. وأعتقد هناك ثلاث دوائر كل واحدة منها تستحق إجماعا قبل محاولة قرارات أكثر دقة في قلب الدائرة الثالثة المكون الأساس للقيمة. الدائرة الأولىفي العلاقة بين الإنتاجيةفي الاقتصاد الوطني ودرجة التحول في منظومة الطاقة عالميا. لا يمكن التفكير في الاقتصاد الوطني دون التفكير في تسعير الطاقة خاصة النفط والغاز وسلسلة منتجاتهما. لا بد للإنتاجية أن ترتفع أعلى أو على الأقل بدرجة انحسار دور الطاقة الهيدروكربونية نفسها بما في ذلك التزامات المملكة الدولية. لعل استهداف المملكة لإنتاج نصف الكهرباء من الطاقة المتجددة مثال جيد على إدارة التحول. كلما زادت المسافة بين سرعة الإنتاجية والتحول في الطاقة ارتفع عامل الأمان وكلما قلت ارتفعت درجة المخاطر. الدائرة الثانية تدور حول العلاقة بين الاستدامة المالية ودرجة تطوير التصنيع في الاقتصاد والترابط الأفقي والرأسي. المـال ممكن، لكن ليس عملا اقتصاديا في حد ذاتـه مهما كانت كفاءة الإدارة المالية، لكن المال ضروري وكفاءة إدارته محورية ليس لتمويل الاستهلاك الأساسيفقط، لكن للاستثمار وتحمل عملية التطوير الصناعي المعقدة والطويلة. حين تتمكن من التصنيع يكون المال أقل دورا، لكن دون تصنيع منافس تكون المخاطر على الاستدامة المالية أعلى. الدائرة الثالثة تـدور بين العلاقة بين القطاع الخاص والتوطين. لا بد أن تكون العلاقة بين التوطين والقطاع الخاص ميدانا للعمل النوعي والإبداعي. لعل هذه أصعب دائرة لأنه منطقيا كلما يصغر محيط الدائرة تصعب درجة التنسيق وتزيد فرص الاحتكاك بين الفئات المختلفة، احتكاك يجب أن يشجع لأنه الوجه الآخر للتعاون وتلاقح المعارف وتأسيس المهنية، فدون تعاون وتضافر لا يمكن تكوين شركات وقيمة وتعلم. مثال ناجح على إعـادة هيكلة صحية كان في قطاع تمويل الإسكان، حيث تم التعاون بين القطاع المصرفي والحكومة لتغيير المعادلة. لا يمكن للقطاع العام أن يكون الخيار الأول للتوظيف، إذ إن هذا سياق جريانه يرفع التكاليف الثابتة ولا يساعد على الإنتاجية. لا بد أن يكون التقليل المنظم للوافدين جزءا أساسيا من الحل. العلاقة بين الإنتاجية والتطوير المهني وتقليل الوافدين وهيكلة التعليم منظومة واحدة. إن هذه الدوائر تقدم إطـارا لإعـادة النظر في كثير من التحديات التنموية والمسائل الاقتصادية التي لن يحلها عروض الاستشاريين، لكنها ليست جدولا وقائمة أعمال لكل جهة تنفيذية. الدائرة الأولى تربط بين الدولي والوطني، والثانية تهيئ للمكون الوطني، والثالثة تصف آلية حراك المكون الوطني. وما يجمع هذه الدوائر الثلاث هو إعـادة التفكير في المنظومة الاجتماعية وأولوياتها التنموية والاقتصادية في مستوى معين ومن ثم هيكلة تدوير المال في المنظومة الداخلية ليكون محركا وممكنا للفعاليات الاقتصادية في الصناعة أولا والخدمات المعلوماتية بغرض التصدير والتنافس بين المواطنين لترتفع الإنتاجية في مستوى آخر. فمثلا هناك حديث كثير عن التعليم، لكن هذا لن يضيف كثيرا إلى الإنتاجية إلا إذا أصبح خيط القيمة المضافة في المجتمع والتنافس الصحي واضحا للعامة، المثالية في الطرح عن التعليم لن تكون بديلا عن رفع كفاءة المعاهد الفنية وتوظيفهم برواتب تعادل متوسط خريجي الجامعات. المهني المحترف هو لب الأعمال التي تضيف قيمة مستدامة. لا بد لإعداد المهنيين وكفاءتهم ومداخيلهم أن تكون أهم من أغلب خريجي الجامعات على الأقل مرحليا لحين نقل وتمكين المجتمع فنيا واقتصاديا. سيدة ميانمار الصلبة تنتظر محاكمة صعبة ربما لم تعرف آسيا منذ رحيل المهاتما 1948 غـانـدي اغتيالا في يناير شخصية وقفت في وجـه العنف الممنهج وطالبت شعبها بمقاومته بطريقة سلمية غير سيدة ميانمار الجسورة أونج سان سوكي ابنة زعيم الاستقلال الجنرال أون سان الذي فاوض ، التي 1947 الإنجليز لنيل استقلال بورما عام درسـت في أفضل جامعات بريطانيا والهند حتى حصلت على دكتوراه الفلسفة، وفازت ثم 1990 بجائزة سخاروف لحرية الفكر عام فجائزة جواهر 1991 جائزة نوبل للسلام عام فميدالية الكونجرس 1992 لال نهرو عـام وغيرها من 2017 الأمـريـي الذهبية عـام الجوائز والأوسمة الرفيعة من كندا وأستراليا والسويد وإسبانيا والتشيك، وذلك تكريما لها على مواقفها في وجه نظام بلادها الديكتاتوري العسكري الوحشي، على مدى ستة عقود من الزمن تعرضت خلالها للإذلال والنفي والاحتجاز القسري والتهديد بالقتل والتفرقة بينها وبين أسرتها. وما إن كادت تقطف بعض ثمار نضالها من خلال قبول العسكر بحزبها السياسي "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" كشريك في الحكم، بعد أن فاز الأخـ فـوزا كاسحا في ، حتى وثب الجيش 2020 و 2015 انتخابات عامي مجددا إلى السلطة عبر انقلابه المفاجئ في ، بدعوى أن انتخابات 2021 الأول من فبراير البرلمانية شابها القصور والخلل، وأن 2020 دستور البلاد يعطي الصلاحية للقوات المسلحة بالتدخل وإعلان حالة الطوارئ في حال وجود محاولة للاستيلاء على السلطة بطريقة غير قانونية. ورغــم تفاهة هـذا المــ ر وعدم صدقيته، دعك من تنديد العالم كله بالعملية الانقلابية، فقد أقدم عسكر ميانمار على احتجاز سو كي ومجموعة من رموز حزبها فانقطعت أخبارها مذاك. والحقيقة أن هذه السيدة التي كانت أيقونة للنضال من أجل الحرية والديمقراطية ورمزا للسلام وأملا لشعبها المضطهد في حياة كريمة كبقية الشعوب المجاورة، خسرت كثيرا من رصيدها ومصداقيتها، ليس لأنها تعاونت مع جلاديها في عملية سياسية مشوهة ومقيدة 2008 بقيود كثيرة منصوص عليها في دستور الذي صاغه جنرالات الجيش بأنفسهم "منها مواد تحصن العسكر ضد المساءلة القانونية، ومواد أخرى تضمن لهم نسبة من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ كي لا يمرر أي تشريع دون موافقتهم"، وإنما لأنها صمتت ووقفت موقفا سلبيا من تعرض مسلمي بلادها من أقلية الروهينجيا للاضطهاد العرقي والديني، بل رفضت إدانة العنف ضد هذه الأقلية عامي قائلة: إنها لا تعلم ما إذا كان من 2015 و 2012 الممكن عد الروهينجيا من مواطني ميانمار. وإذا كان تعاونها مع العسكر عملا يمكن تبريره بهدف التخفيف من بطشهم تجاه مواطنيها وأنصارها الـعـزل، فـإن لا مبالاتها بقضية مواطنيها الروهينجيا لا مبرر ولا تفسير له إطلاقا. اليوم تجد سوكي نفسها مجددا في قبضة العسكر الذين يعدون العدة لمحاكمتها وإطلاق الرصاصة الأخـ ة عليها. فهي تواجه سلسلة من الاتهامات التي لو أدينت فيها لبقيت البقية الباقية من عمرها في المعتقل، خصوصا من العمر. وتتدرج الاتهامات 76 أنها تبلغ الـ الموجهة إليها من تهمة استيراد وتملك أجهزة اتصالات غير مرخصة إلى تهمة مخالفة قوانين عـدم إفشاء الأسرار الرسمية مــرورا بتهم فساد مثل استخدام صفتها كمستشارة للدولة "منصب يوازي منصب رئيس الوزراء" في تلقي ألف دولار بطريقة غير مشروعة 600 أكثر من كيلوجراما 11 والحصول على رشوة في صورة من الذهب. لا يتوقع المراقبون أن تحصل سوكي على البراءة أو حكم مخفف في هذه المحاكمة التي قد تمتد إلى أشهر. صحيح أن هناك فريقا من المحامين سيتولون الدفاع عنها وبإمكان هؤلاء الاجتماع بها في أي وقت، وصحيح أن دستور البلاد ينص على أن السلطة القضائية مستقلة، لكن الصحيح أيضا أن القضاء مستقل صوريا، بمعنى أنه لا يملك اتخاذ أي قرار أو إصدار أي حكم دون مشاورة وموافقة السلطة السياسية المتمثلة في الجيش حاليا. هذا فضلا عن أن معظم قضاة المحاكم والمحامين ومسؤولي الادعاء تدربوا تحت يد العسكر أو كانوا يوما ما من ذوي الرتب النحاسية والبذات الكاكية، ما يجعل محاكمة سوكي غير عادلة في مختلف الأحـوال، خصوصا مع وجود سوابق بالفساد على مختلف مستويات التقاضي. ولعل أكبر دليل على تسلط العسكر على السلك القضائي وسلك المحاماة ما حدث في بحق كو 2017 ) من كانون الثاني (يناير 29 الـ ني، المحامي البارز المسلم وعضو الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الذي أردي قتيلا برصاص مجهول في مطار يانجون الدولي وقت عودته من رحلة إلى إندونيسيا لحضور مؤتمر بخصوص الديمقراطية وحل النزاعات. وقد وصفت الحادثة في حينها بالاغتيال السياسي لأن القتيل لم يستجب لرغبات العسكر بالكف عن الترافع في قضايا العنف ضد الروهينجيا والامتناع عن رفع دعاوى حول إصلاح دستور ميانمار وتنقيحه من المواد المكبلة للحريات أو تلك المحصنة للعسكر ضـد المساءلة والمحاكمة. لا يتوقع المراقبون أن تحصل سوكي على البراءة أو حكم مخفف في هذه المحاكمة التي قد تمتد إلى أشهر. صحيح أن هناك فريقا من المحامين سيتولون الدفاع عنها وبإمكان هؤلاء الاجتماع بها في أي وقت، وصحيح أن دستور البلاد ينص على أن السلطة القضائية مستقلة، لكن الصحيح أيضا أن القضاء مستقل صوريا، بمعنى أنه لا يملك اتخاذ أي قرار أو إصدار أي حكم دون مشاورة وموافقة السلطة السياسية المتمثلة في الجيش حاليا. NO. 10130 ، العدد 2021 يوليو 6 هـ، الموافق 1442 ذو القعدة 26 الثلاثاء 13 للحديث عن مفهوم اقتصاد جديد وقواعد جديدة له، فإن الرد السهل هنا هو الإسراع برفع مستوى المهارات والتدريب بالتوازي مع تغيرات سوق العمل. لكن هناك من الأسباب المعقولة ما يدعو إلى الاعتقاد أن هذه الخطوات وحدها لن تكفي. فستكون هناك حاجة إلى وضع برنامج شامل للحد من عدم المساواة في توزيع الدخل. ويتعين أن يقر هـذا البرنامج بداية بأن نمـوذج المنافسة التوازنية الـذي يستخدمه المنتجون لتحقيق أقصى حد ممكن من الربح، ويحقق للمستهلكين أقصى حد من المنفعة، وتتحدد الأسعار في أسواق تنافسية تحقق تعادل العرض والطلب، الذي ظل يهمن على فكر خبراء الاقتصاد لما يزيد على قرن لا يقدم صورة جيدة للاقتصاد اليوم، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بفهم تزايد عدم المساواة أو حتى النمو المدفوع بالابتكار. فنحن لدينا اقتصاد يقع تحت طائلة نفوذ السوق والاستغلال، وقواعد اللعبة مهمة، فقد اجتمعت عوامل ضعف القيود على قوة الشركات، وانكماش القوة التفاوضية للعاملين إلى أدنى حد، وتقلص القواعد التي تحكم استغلال المستهلكين والمقترضين والطلب والعاملين، فأدت معا إلى اقتصاد أضعف أداء تشوبه زيادة السعي لتحقيق الريع وزيادة عدم المساواة. فحقيقة نحن في حاجة إلى إعادة صياغة شاملة لقواعد الاقتصاد. على سبيل المثال، أي بحاجة إلى سياسات نقدية تركز بقدر أكبر على ضمان التوظيف الكامل لجميع الفئات ولا تقصر تركيزها على التضخم، وإلى قوانين إفلاس متوازنة بشكل أفضل، لتحل محل تلك التي أصبحت تفرط في مساندة الدائنين وأتاحت القدر اليسير من مساءلة المصرفيين الذين شاركوا في الإقراض الجائر، وإلى قوانين حوكمة الشركات التي تقر بأهمية جميع الأطـراف المعنية، وليس المساهمين فحسب. والقواعد التي تحكم العولمة يجب ألا تقتصر على مجرد تحقيق مصالح الشركات، فيتعين حماية العاملين والبيئة. ويتعين أن تقوم تشريعات العمل بدور أفضل في حماية العاملين وتوسيع نطاق العمل الجماعي. لكن ذلك كله لن يحقق ما نحتاج إليه من مساواة وتضامن، في الأجل القصير على أقل تقدير. وسيتعين علينا تحسين توزيع الدخل في السوق وكذلك إعادة توزيعه على حد سواء. وعـ عكس ما هو منتظر، فبعض الـدول التي تسجل أعـ درجــات عـدم المساواة في تـوزيـع الـدخـل المتحقق مـن السوق، مثل الولايات المتحدة، تطبق بالفعل نظم الضرائب التنازلية، ما يعني أن أصحاب أعلى مستويات الدخل يدفعون نسبة أصغر من دخلهم كضرائب مقارنة بالعاملين الأقل دخلا. وعلى مدار العقد الماضي، أدرك صندوق النقد الدولي أهمية المساواة في تشجيع الأداء الاقتصادي الجيد "بما فيه النمو والاستقرار". ولا تلقي الأسواق في حد ذاتها بالآثار الأوسع من الـقـرارات غير المركزية التي تفضي إلى المـغـالاة في الاقـــ اض بعملات أجنبية أو الإفـراط في عدم المساواة. ففي فترة حكم الليبرالية الجديدة، لم يأبه أحد بمدى مساهمة السياسات "مثل تحرير الأسـواق الرأسمالية والمالية"فيزيادة التقلب وعدم المساواة، ولا بما أدت إليه التغيرات الأخرى في السياسات - مثل التحول من البرامج ذات المنافع المحددة إلى البرامج ذات المساهمات المحددة، أو من معاشات التقاعد العامة إلى الخاصة - من تعميق شعور الأفـراد بعدم الأمـان، وكذلك زيــادة التقلب الاقتصادي الكلي، من حال إضعاف أدوات التثبيت التلقائي للاقتصاد. وهذه القواعد هي التي تحدد اليوم أشكال كثير من جوانب ردود أفعال الاقتصادات في ، ففي بعض الدول شجعت 19 - مواجهة كوفيد هذه القواعد على قصر النظر وعدم المساواة، هما من سمات المجتمعات التيلم تتعامل مع بشكل جيد. فلم تكن هذه الدول 19 - كوفيد معدة بقدر كاف لمواجهة الجائحة، فسلاسل التوريد العالمية التي بنتها لم تكن على قدر كاف من الصلابة. وعندما تفشى فيروس كوفيد على سبيل المثال، لم تتمكن الشركات 19 - الأمريكية حتى من توريد ما يكفي من منتجات بسيطة مثل الكمامات والقفازات، فضلا عن منتجات أعقد مثل أدوات الفحص وأجهزة التنفس الاصطناعي. بينما كشفت الجائحة عن تفاوتات هائلة بين دول الـعـالم، من المرجح أن تؤدي الجائحة ذاتها إلى زيادة هذه التفاوتات... يتبع. د. عبدالله المدني * أستاذ في العلاقات الدولية Elmadani@batelco.com.bh @AlfawazHamd فواز بن حمد الفواز جوزيف ستيجليتز * حائز جائزة نوبل في الاقتصاد، وأستاذ في جامعة كولومبيا

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=