aleqt (10073) 2021/05/10

12 NO. 10073 ، العدد 2021 مايو 10 هـ، الموافق 1442 رمضان 28 الإثنين أصـــدر مكتب الاستخبارات الوطنية الأمـريـكـيـة، منتصف نيسان (أبريل) المـاضي، تقريره الدوري، كل أربعة أعوام، تزامنا مع بداية الفترة الرئاسية، في نحو صفحة، بعنوان فرعي ينذر 150 بالسوء، "الاتجاهات العالمية : عالم أكثر تنازعا"، قدم 2040 فيه رصـدا استشرافيا لمجالات وحـــدود الـــراع، بـ اللاعبين الحاليين والمستقبليين، محددا فيضوء هذه النتائج اتجاه العالم خلال العقدين المقبلين. دأب مجلس الاسـتـخـبـارات على وضع 1997 الوطني منذ عام هـذا التقرير بشكل تزامني مع كل ولايـة رئاسية جديدة، سواء كانت النتيجة ولايــة ثانية أم رئيسا جديدا، يطرح فيه تقييم الاتجاهات والشكوك الرئيسة التي ستشكل البيئة الاستراتيجية في المقبل من الأعـــوام. بذلك يحاول المجلس مساعدة صانعي السياسات على توفير إطار عملي تحليلي، يمكن من توقع القوى الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والديموغرافية، التي من المحتمل أن تسهم في صياغة معالم عاما المقبلة. 20 العالم، خلال الـ لا يمكن الـقـول: إن التقرير يرسم خريطة الوضع العالمي ، بقدر ما يطرح 2040 في أفـق قـــراءات ورؤى تنبؤية، لما قد يكمن وراء الأفق، ما يجعل صناع القرار على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة. نذكر، في هذا السياق، بأن تقرير عام ، بـعـنـوان: "الاتـجـاهـات 2008 : عالم متحول"، 2025 العالمية تـوقـع ظـهـور مــرض بــ ي غير معروف شديد العدوى، لكن هذا التوقع لم يحظ حينها بالعناية والاهتمام المستحق، ما أدى إلى الكارثة الكونية التي يعيش العالم مجرياتها، منذ عام ونيف. يقدم تقرير هذا العام تصورا لعالم مضطرب، تتداخل في صناعته أزمات ممتدة، من قبيل: تغير المناخ ومعضلة الأمـراض وشيخوخة الـسـكـان ومشكلة الهجرة والأزمـات المالية والثورة التكنولوجية والحرب التجارية والـــراع عـ الـقـيـادة.. وكلها أعطاب ترهق الشعوب والأمم، فهي كما ورد فيما راج من أجزاء التقرير، "تولد صدمات من شأنها أن تكون كارثية". يولي التقرير أهمية خاصة لوباء كورونا، عادا بصمته على العالم ستتراخى إلى العقود المقبلة، مؤكدا أن الجائحة شكلت "أخطر اضــطــراب عـالمـي منذ الحرب العالمية الثانية". فقد وضعت العالم برمته، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، أمام حقيقة الضمانات الزائفة التي تمسكت بها الإنسانية عـ مـــدار الـعـقـود الماضية، وكشفت بوضوح عن الهشاشة الكامنة في تجاويف النظام الدولي، فالجائحة ذكرت العالم بهشاشته، وأظهرت مدى ضعف النظام في الإعـــداد لمواجهة التحديات العالمية المتفاقمة. وكان هذا التأكيد صريحا في متن التقرير، "نحن نعلم أن العالملم يكن مستعدا بشكل جيد لمواجهة فيروس كورونا وأن الوباء أسيء التعامل معه بشكل خطير في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة". مثل التغير المناخي الخطر النمطي الــداهــم، مـن وجهة نظر أصـحـاب التقرير، خاصة بعدما اقـ ب كوكب الأرض من الانفجار الكبير جـراء الاحتباس الحراري. ورغم العودة الأمريكية إلى تدبير ملف المناخ مع إدارة الرئيس جو بايدن، يبقى المشهد الإيكولوجي العالمي بحاجة إلى عقود زمنية لتجاوز مرحلة الخطر المحدق، هذا إن صدقت نوايا الدول الكبرى، والتزمت كل منها بتعهدات بشأن البيئة أمام أنظار العالم. يذهب معدو التقرير إلى أن التغير المناخي كفيل بأن يحدث صراعـا إنسانيا غير مسبوق، بين الـدول الغنية والــدول الفقيرة، ذلك أن هذه الأخيرة ستكون عرضة للمعاناة، وقد يؤدي عدم قدرة حكوماتها على التكيف والاستجابة إلى موجات جديدة من الهجرة، ما سيفضي إلى إجهاد موارد وقدرات الدول المستقبلة للهجرة. يتوقع التقرير أن تتفكك المجمعات بشكل متزايد، وللهجرة نصيب في ذلك، فصاع الهويات سيحتدم من جديد، سـواء كان على أسس عرقية أم رؤى دوغمائية أم معتقدات أيديولوجية، لا فرق ما دامت النتيجة هي بحث الأفراد والجماعات عن الأمـن والأمــان، باللجوء إلى مجموعات متشابهة، تستند إلى هويات راسخة وحديثة، مـا ينعش التوجهات القومية والعصبية والعرقية مقابل انحصار وتراجع شعارات الكونية والعولمة. حضر الصاع على قيادة العالم في التقرير، وكـانـت التحولات التكنولوجية مدخله الأسـاسي، إذ يتوقع أن تصبح التكنولوجيا مقياسا للقدرة على اتخاذ القرارات، بناء على حجم ودقـة البيانات، فالتنافس الأمريكي الصيني سيزداد مستقبلا بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، وامتلاك تقنية الجيل الخامس من وسائط نقل البيانات قصد التحكمفيتدفق المعلومات والسيطرة على التكنولوجيا الرقمية في مجال التسويق، ما يساعد على الوصول السريع إلى المجتمعات، ويتيح قدرة كبيرة للتلاعب المعرفي والاستقطاب من خـ ل تشكيل أسلوب تلقي الناس للمعلومات وتفسيرها والتصف بناء عليها. يحذر التقرير من الاستخدام السيئ للابتكارات والتكنولوجيا الـحـديـثـة، في جعل الحملات الدعائية أكــ مـرونـة، وأسرع وصولا إلى الجماهير مع صعوبة اكتشافها ومكافحتها، ما يضمن سهولة تكييف الـتـواصـل مع الجمهور وتوقع ردود أفعالهم. ويذهب أكثر من ذلك إلى تأكيد أن "وس ـائ ـل الإعـــ م يمكن أن تشوه الحقيقة والـواقـع بشكل أكبر، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات". لايعتمدإعدادالتقريرعلىزاوية تحليل واحــدة، كما أكـدت ذلك لانجان ريكهوف، مديرة مجموعة الاستراتيجيات المستقبلية، في الاستخبارات الأمريكية، بقولها: "نحن لا ننظر في مسألة واحدة فقط أو مجال واحد بشكل ضيق، نحن نحاول أن ننظر عبر كل هذه القضايا، ونسأل كيف تتطور بمرور الوقت". وبـدا الأمـر واضحا في تداخل المواضيع والقضايا في التقرير، فمن المشكلات التي يرجح أن تواجه السياسات المحلية، إذ "لا يـبـدو أن هـنـاك منطقة أو أيديولوجية أو نظام حكم محصن أو لديه الإجـابـات"، إلى حرب العملات "الدولار واليورو" المقبلة، بسبب "العملات الرقمية التي تصدر من جهات خاصة، فستؤدي إلى تعقيدات في سلوك السياسة النقدية، عن طريق الحد مـن سيطرة الـــدول عـ أسعار الـرف والإمـــدادات النقدية"، وصـولا إلى تقديم توصيف بأن "النظام الدولي سيكون فوضويا ومتقلبا، حيث سيتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى، مثل الصين واللاعبين الإقليميين والجهات الفاعلة غير الحكومية". تتأكد البشرية عقدا بعد آخر من أن المستقبل الوردي الموعود في كتب المنظرين الأوائل للتقدم والحداثة والعولمة، لم يقدم الصورة كاملة، قصدا أم سهوا، لا فرق في ذلك، فالرهان يبقى واحدا أيا كانت النية، إنه العمل المشترك على تصحيح الأخـطـاء، ما دام المستقبل والمصير واحـدا، ولنا في جائحة كورونا أكثر من دروس. الاتجاهات والشكوك الرئيسة التي ستشكل البيئة الاستراتيجية .. تقلبات وصراع ومستقبل غير وردي 2040 من الرباط محمد طيفوري النظام الدولي سيكون فوضويا ومتقلبا حيث سيتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى إنـه لأمـر مذهل أن تـأتي هـذه الـزيـادة في المشاعر القومية في مختلف أنحاء العالم المتقدم في الأعوام الأخيرة، في وقت بات من الواضح فيه بشدة أن عديدا من تحديات اليوم الأكثر إلحاحا، بما في ذلك تغير المناخ وجائحة هي في الأساس مشكلات 2019 فيروس كورونا عالمية، تتطلب حلولا عالمية. الواقع أن حالة الغضب التي تختمر بين مواطني الـدول التي تفتقر إلى اللقاحات ــ ثلثي البشر الذين يعيشون خارج الاقتصادات المتقدمة والصين في الأساس ــ قد تعود لتطارد العالم الغني في وقت قريب للغاية. يجب أن تكون خطط الرئيس الأمريكي جو بايدن الطموحة - بحسب ما يطرحه كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد وحاصل على جائزة دويتشه The في الاقتصاد ومؤلف كتاب 2011 بنك لعام - لمعالجة فجوات التفاوت Curse of Cash في أمريكا موضع ترحيب، شريطة أن تنجح الإدارة في تغطية التكاليف البعيدة الأمد من خلال فرضضرائب أعلى أو تحقيق نمو أقوى، وهــذان احـتـ لان غير مؤكدين على الإطـ ق باعتراف الجميع، وهذه أيضا حال مخطط الاتحاد الأوروبي الأصغر حجما، لكنه يظل كبيرا، "جيل الاتحاد الأوروبي التالي"، لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا وإسبانيا، التي تضررت بشكل غير متناسب بالجائحة. في المائة من سكان العالم، 16 صحيح أن الذين يعيشون في اقتصادات متقدمة، ضربتهم الجائحة بقسوة، لكنهم الآن يتطلعون إلى في المائة 18 التعافي، وكانت الصين، التي تمثل أخرى من سكان العالم، أول اقتصاد رئيس يرتد إلى التعافي، ويرجع الفضل في ذلك في الأساس إلى استعدادها الأفضل في التصدي للجائحة وقدرة الدولة الأكبر على احتواء فيروس كورونا. لكن ماذا عن الآخرين؟ كما يوضح صندوق النقد الدولي في تقريره لنيسان (أبريل) بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، لا يخلو الأمر من تباعد عالمي بالغ الخطورة، فمن المحتمل أن تكون المروعة التي تجتاح الهند 19 - موجة كوفيد مجرد عينة توضيحية للأهوال التي من المنتظر أن تجتاح قسما كبيرا من العالم النامي، حيث تفشى الفقر، ومن غير المرجح أن تعود معظم الدول إلى مستويات الإنتاج التي سبقت الجائحة حتى على الأقل. 2022 نهاية عام يحكي قصة 21 حتى الآن، كـان القرن الـــ محاولات اللحاق التي يبذلها العالم النامي، وبصورة أعظم كثيرا مما بدا محتملافيثمانينيات 19 - . لكن أزمة كوفيد 20 وتسعينيات القرن الـ ضربت الدول الفقيرة في وقت حيث بدأ العالم الغني يتنبه إلى حقيقة مفادها أن احتواء الجائحة والكارثة المناخية التي تلوح في الأفق يتوقف بشكل كبير على الجهود المبذولة في الاقتصادات النامية، هذا فضلا عن التعاون الذي من المرجح أن يشكل ضرورة أساسية لاحتواء الجماعات الإرهابية والقوى الفاعلة في الدول المارقة في عالم ساخط إزاء فجوات التفاوت العالمية التي كشفت عنها الجائحة بوضوح. ما يزيد الطين بلة أن قسما كبيرا من العالم النامي، بما في ذلك الأســواق الناشئة، دخل الجائحة وهو مثقل بديون خارجية مرتفعة بشكل حاد، قد تكون أسعار الفائدة لليلة واحدة، التي تحددها السياسة النقدية، عند مستوى الصفر أو سلبية في الاقتصادات المتقدمة، لكنها تتجاوز في المائة في المتوسط في الأسواق الناشئة 4 والاقتصادات النامية، حيث الاقـ اض الأطول أمدا ــ ذلك النوع المطلوب للتنمية ــ أكثر تكلفة بكثير. وقد تخلفت عن سداد ديونها بالفعل عدة دول، بما في ذلك الأرجنتين، وزامبيا، ولبنان، وقد يلحق بها عدد أكبر من الدول عندما يدفع التعافي غير المتكافئ أسعار الفائدة العالمية إلى الارتفاع. كيف إذن قد تتمكن الـدول الأكـ فقرا من وتدابير 19 - تغطية تكاليف لقاحات كوفيد الإغاثة من آثاره، علاوة على الانتقال إلى اقتصاد أخضر؟ يخضع البنك الـدولي وصندوق النقد الدولي لضغوط هائلة لإيجاد حلول، وكان كل منهما يؤدي وظيفته بنجاح، في شرح وتفسير المشكلة على الأقل، لكن مثل هذه المنظمات تفتقر إلى البنية المالية اللازمة للتعامل مع تحديات بهذا الحجم. في الأمد القريب، من الممكن أن يساعد تخصيص حقوق السحب الخاصة "الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الـدولي"، لكن هذه الأداة بدائية للغاية وغير مصممة للاستخدام على أساس روتيني. كانت مؤسسات بريتون وودز التي تأسستفي نهاية الحرب العالمية الثانية مصممة للعمل بشكل أساسي كمرافق إقراض، لكن مثلما أعطت الدول الغنية مواطنيها تحويلاتصريحة أثناء الجائحة، يجب أن يحدث الـيء ذاتـه في الاقتصادات النامية، ذلك أن الديون المرتفعة لن تؤدي إلا إلى تفاقم حالات العجز عن السداد المحتملة في أعقاب الجائحة، خاصة في ضوء الصعوبات التي تنطوي عليها عملية تحديد الأقدمية بين مختلف المقرضين من القطاعين العام والخاص. لفترة طويلة، كان الكاتب وجيريمي بولو من جامعة ستانفورد يزعمان أن المنح المباشرة أنظف من أدوات الإقراض، وهي بالتالي مفضلة عليها. ما العمل إذن؟ بادئ ذي بدء، يحتاج العالم الغني إلى إزالة تكلفة اللقاحات من على طاولة التفاوض مع الاقتصادات النامية، جزئيا من خلال تمويل المرفق المتعدد الأطراف للوصول بشكل كامل. 19 - العالمي إلى لقاح كوفيد الواقع أن تكلفة القيام بذلك، التي تبلغ مليارات الدولارات، لا تقارن بتريليونات الدولارات التي تنفقها الدول الأكثر ثراء لتخفيف تأثير الجائحة في اقتصاداتها. لا يجوز للاقتصادات المتقدمة أن تكتفي بتغطية تكلفة اللقاحات، بل يتعين عليها أن تقدم أيضا إعانات دعم ومساعدات فنية واسعة النطاق في تسليمها، لأسباب عديدة، منها بشكل خاص أن جائحة أخرى تنتظرنا في المستقبل، يعد هذا حلا أكثر فاعلية من مصادرة الملكية الفكرية من مطوري اللقاحات. في الوقت ذاته، يجب أن تكون الاقتصادات المتقدمة، التي لا تمانع في إنفاق تريليونات الدولارات على تطوير طاقة خضراء محلية، قادرة على إيجاد بضع مئات من المليارات سنويا لدعم التحول ذاته في الأسواق الناشئة، يمكن تمويل هذه المساعدة بالاستعانة بضرائب الكربون، التي قد تفرضفيظروف مثالية بوساطة من بنك كربون دولي يمثل مؤسسة عالمية جديدة تركز على مساعدة الدول النامية على إزالة الكربون. من الأهمية بمكان أيضا أن تظل الاقتصادات المتقدمة منفتحة على التجارة العالمية، العامل الرئيس وراء تراجع حدة التفاوت بين الدول، وينبغي للحكومات أن تعكف على التصدي لفجوات التفاوت في الداخل من خلال توسيع نطاق التحويلات وشبكات الأمـان الاجتماعي، وليس من خلال إقامة الحواجز التجارية التي تلحق الضرر بمليارات البشر في إفريقيا وآسيا. وسيستفيد هؤلاء الأشخاص أيضا من التوسع الكبير الذي طرأ على ذراع المساعدات في البنك الدولي "مؤسسة التنمية الدولية". قد يكون التصدي لفجوات التفاوت داخل الدول الضرورة السياسية الحتمية في اللحظة الحالية، لكن معالجة فجوات التفاوت الأضخم كثيرا بين الدول هي المفتاح الحقيقي لصيانة .21 الاستقرار الجيوسياسيفي القرن الـ قصة محاولات اللحاق التي يبذلها العالم النامي % الأخرى؟ 66 الاقتصادات المتقدمة تتعافى لكن ماذا عن الـ يحتاج العالم الغني إلى إزالة تكلفة اللقاحات من على طاولة التفاوض. من الرياض «الاقتصادية» معالجة فجوات التفاوت الأضخم كثيرا بين الدول هي المفتاح الحقيقي لصيانة الاستقرار الجيوسياسي 21 في القرن الـ السياسية

RkJQdWJsaXNoZXIy Mjc5MDY=